آراء


سيف نايف

الرسائل السياسية لخليجي البصرة

21/01/2023

توج المنتخب العراقي بلقب كأس الخليج للمرة الرابعة في تاريخه، بعد أن قام العراق بتنظيم بطولة (خليجي 25) لكرة القدم في البصرة ويعتبر هذا الامر حدثاً رياضياً استثنائياً في العراق الذي غاب عن تنظيم البطولات الكبرى منذ عدة عقود، كما أنها يمكن أن تكون مفتاحاً لنجاحات مماثلة على المستويين السياسي والاقتصادي للعراق مع محيطه العربي والخليجي.
نجحت بصرتنا الفيحاء في تنظيم بطولة خليجي 25 ولم يكتفي النجاح بالحكومة المحلية او الاتحاد العراقي لكرة القدم فقط بل كان لأفراد المجتمع البصري دوراً اساسياً في نجاحها، حيث اثبت أبناء المحافظة للأشقاء الخليجيين مدى كرمهم وحسن تعاملهم وطيبة مشاعرهم تجاه ضيوفهم من داخل العراق وخارجه فلم يكتفي أصحاب المطاعم او المحلات التجارية او أصحاب محطات الوقود او الباعة المتجولين بتزويد ما يحتاجه الضيوف مجاناً بل وصل الحال الى إيقاف مركبات الشباب الخليجي القادم الى البصرة لغرض اكرامهم، وهذا يدل على أن الكرم البصري ليس لغرض إنجاح البطولة بل هو طبيعة في تكوين مجتمع هذه المحافظة العريقة.
وبما ان كرة القدم اليوم أصبحت من ضمن الظواهر الدبلوماسية ذات التأثير الكبير في العلاقات الدولية، شاب البطولة العديد من الإشكاليات لعل أبرزها الاحتجاج الايراني حول مسألة تسمية البطولة بكأس الخليج العربي حيث أعلن الاتحاد الإيراني لكرة القدم أنه بصدد رفع شكوى لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) احتجاجاً على تسمية خليجي 25 ببطولة الخليج العربي لكرة القدم، ولم تكتفي السياسة الإيرانية بذلك بل وصل الحال بهم الى استدعاء السفير العراقي في طهران احتجاجاً على التسمية، كما شنت الصحف الإيرانية هجمة شرسة ضد رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني بعد ان قام بتسمية البطولة بكأس (الخليج العربي)، وأكد السوداني في مقابلة مع قناة "دويتشه فيله" الألمانية ان العراق جزء من المنظومة العربية وحريص على ديمومة العلاقة مع دول الخليج العربي، في حين أشار الى استمرار التوسط بين السعودية وإيران، ألا أن السوداني بعد عودته من برلين الى اخر بيان يخص البطولة لم يذكر مفردة الخليج العربي مطلقاً واكتفى بخليجي 25.
ليست هذه المشكلة الوحيدة التي واجهتها البطولة بل واجهت ايضاً مشكلة أخرى تمثلت بالاحتجاج الكويتي على سوء التنظيم اذ كان هذا الاحتجاج من طرفاً واحد ولم تحتج بقية المنتخبات المشاركة في البطولة، لكن الاتحاد العراقي لكرة القدم لم يتغاضى عن الامر بل قام بكل وداً بتقديم الاعتذار للوفد الكويتي وتطييب خواطرهم.
وبما أن العراق قام بالانفتاح في سياسته الخارجية تجاه الدول الخليجية في السنوات القريبة الماضية وقام بتنمية علاقاته مع هذه الدول فقد كان يطمح من خلال هذه البطولة للانتقال إلى مرحلة جديدة، سواء في علاقاته السياسية، أو على صعيد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، ولا سيما مع بدء العراق، خلال السنوات الأخيرة، وأن القبول بأستضافة العراق للبطولة في البصرة من قبل الاتحاد الخليجي لكرة القدم ماهي ألا رسالة سياسية تتمثل بأن هناك متغيراً كبيراً في طبيعة العلاقة بين العراق والدول الخليجية ومحاولة لتوثيق العلاقات في كافة المستويات، وقد يكون هذا الحضور بهذا المستوى وما يتبعه من اهتمام سياسي وإعلامي وحضور المشجعين، إنما يمثل في الواقع رسالة دعم للشعب العراقي، وأن الاهتمام الحكومي والشعبي لهذه البطولة تمثل رسالة للأشقاء الخليجيين بأن العراق يضع هذه الدول ضمن عمقه العروبي، وأن كل محاولات عزل العراق عن دوره الإقليمي باءت بالفشل فهو يلعب اليوم دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين الدول الخليجية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لذا فأن هذه البطولة قد قامت بأرسال عدد من الرسائل منها خارجية تتمثل اولها بتسليط الضوء على البصرة لتكون معقلاً للأستثمار الخليجي والعربي الذي ممكن أن يعود للمحافظة مردوداً مالياً كبيراً، وأن البصرة مدينة تاريخية عريقة ممكن أن تكون واجهة سياحية للمجتمعات الخليجية، اما الرسالة الثانية فوجهت للأتحاد الدولي لكرة القدم فبعد هذا التنظيم الإداري والفني الذي شهد له القاصي والداني والحشود الجماهيرية التي تعكس حبها وشغفها لكرة القدم فالمدرجات التي امتلأت عن بكرة أبيها وانتظار المباراة الختامية لفترة قد تتجاوز لأكثر من أربعة وعشرين ساعة دليل واضح على مدى تفاعل هذه الجماهير مع هذه اللعبة فقد تفتح هذا البطولة باباً لرفع الحظر عن بقية المحافظات العراقية لتتمكن من استضافة بطولات قارية كبيرة.
 اما الرسالة الداخلية التي وجهتها البطولة تمثلت بمدى إمكانية الحكومة من إنجازها ملف البطولة والكثير من البنى التحتية لمدينة البصرة في وقت قياسي وبنزاهة عالية، فهذا يعني بأن بمقدورها ايضاً أن تصلح واقع بقية المحافظات العراقية، وأن تضع خططاً تنموية من شأنها أن تجعل من البلد محطة مهمة في الفعاليات الفنية والرياضية، وحتى التجمعات الاقتصادية والسياسية، خاصة إذا ما توفرت الإرادة السياسية، لذا فعلى الحكومة أن تستثمر منجزات خليجي البصرة ليكون ذلك حافزاً لها للنجاح في بقية المحافظات، وأن تستثمرها ايضاً بجذب الدول للأستثمار في العراق.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام