آراء


سيف نايف

احزاب سياسية بلا رؤية

02/12/2022

تعتبر الأحزاب السياسية من أبرز التنظيمات ذات التأثير المباشر بسير وحركة الأنظمة السياسية وضمان استمراره واستقراره، فلها دوراً مهماً في تنشيط الحياة السياسية وأصبحت اليوم ركن أساسي من اركان النظم الديمقراطية، فأدائها ينعكس بالسلب والايجاب على نوعية الحياة السياسية وعلى مستوى التطور الديمقراطي والحديث السياسي وفاعلية أنظمتها الذي يعد انعكاس للنظام الحزبي السائد في البلد، كما تسهم الأحزاب في صنع السياسة العامة للبلد وتعد احدى قنوات المشاركة السياسية للفرد في المجتمع.
ان وجود تعددية في الأحزاب السياسية امراً مهماً حيث تؤدي الأحزاب في النظم الديمقراطية عدد من الوظائف قد تكون هذه الوظيفة عامة يشترك فيها جميع الأحزاب سواء كانت احزاباً تحكم ام أحزاب المعارضة، او وظيفة خاصة يؤديها التيار او الحركة او الحزب السياسي لغرض تكوين الاتجاهات وتوجيه الرأي العام من خلال انماء المسؤولية لدى الافراد وخلق نوعاً من الترابط بين المصلحة الخاصة والعامة، فضلاً عن تنمية الوعي السياسي في المجتمع يتيح لهم تفسير ما يرغبون به من ناحية تصنيف المرشحين الذين يمثلونهم.
ومن جانب اخر فأن للأحزاب السياسية وظيفة اخرى مهمة لعل تكون في اطر هذه الوظيفة الأحزاب المعارضة الا وهي وظيفة الرقابة على اعمال الحكومة فتكون الأحزاب المعارضة تراقب أداء الحزب الحاكم في امل منها ان تكون هي الحكومة البديلة في حالة نفور الشعب من السلطة القائمة، فتقوم الأحزاب الخارجة من الحكم بمعارضة نزيهة من خلال مراقبة حزب الأغلبية ونقد سلوك القائمين على تنفيذ سياسته ليس نقداً فحسب بل إيضاح الحل البديل الذي تراه أكثر تحقيقاً للمصلحة العامة، كما ان الأحزاب او الحركات السياسية تكون بمثابة همزة الوصل بين الحاكم والمحكومين، خاصة في العراق فيعهد المجتمع الى ممثلين يتولون السلطة باسمه، فوجود تعددية في الأحزاب تضمن لقاء الشعب بنوابه وايصال رغباتهم ومناقشة قضاياهم والنائب بدوره ينقلها الى السلطة.
لكن الأحزاب يجب ان تتبنى بوضوح أيديولوجيا معينة لغرض رسم سياسية الحزب، لتتمكن بذلك من ان تعكس نصوصها تجاه ما هو عليه مجتمعها اليوم، وطرح الحلول لتحسين وضعه مستقبلاً وبذلك تكون سياسة الحزب متناغمة مع مبادئها، فعند تبني الحزب أيديولوجية معينة يرسم بها سياسته الخاصة وشعاراته التي يطلب بها لا يكون بذلك بمظهر الحزب الانتهازي الذي يعول على هموم الفرد من اجل الوصول الى السلطة، وقد ساعدت الأيديولوجيات المختلفة مئات الأحزاب في العالم من فهم وتحليل المشاكل المجتمعة وإيجاد الحلول لها، عند تبني الحزب ايديولوجية محددة سيوفر ذلك تقارباً سياسياً مع حزباً اخر ينسجم في الأيديولوجية او الرؤية مما قد يخلق تحالفاً سياسياً قوياً او تبادلاً في الخبرات، فضلاً عن ذلك فلابد للحزب ان يمتلك تخطيط استراتيجي يدرك التغيرات التي تحصل في النظام السياسي فممكن ان تكون هذه التغيرات قد تضعف الحزب او تقويه، فيقدم التخطيط الاستراتيجي للأحزاب نهجاً لوضع اهداف واقعية على الأمد الطويل بهدف اصلاح القدرات المؤسسية او الحفاظ عليها كما يساعد التخطيط الاستراتيجي في تكوين الأفكار جمع أعضاء الحزب حول اهدافاً مشتركة. 
يعتبر البعض بأن أحزاب الدول النامية ليست احزاباً بالمدلول السياسي العلمي وجاء هذا الاعتبار وفق رؤيتهم بأن تشكيل مجموعة من الافراد الموجودين في السلطة لتنظيم مسيطر لا يجعل منه حزب سياسية، ومن هنا تأتى بعض الأوصاف التي تطلق على أحزاب الدول النامية والتي تتراوح بين وصفها بالضعف والهشاشة، وبين اعتبارها تنظيمات مؤقتة، قصيرة العمر، ولا تنطوي على أيديولوجيات قوية.
ففي العراق تتعدد الأحزاب والحركات والتيارات السياسية بشكل هائل مقارنة بقية دول العالم فيقدر عدد الأحزاب العراقية بحسب دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية بـ 261 حزباً مجازاً و55 حزباً قيد التأسيس و122 حزباً طلبوا المشاركة في الانتخابات الماضية.
وعند كتابة المقال تذكرت مقولة للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه يقول فيها (هناك رجال يرغبون في السلطة لمجرد السعادة التي ستجلبها، وينتمون بشكل رئيسي إلى الأحزاب السياسية)، فالأحزاب السياسية العراقية بتعددها الواسع وتاريخ بعضها الكبير ألا ان غالبيتها تفتقر الى الرؤية المستقبلية في حال وصولها الى هرم السلطة فضلاً عن عدم تبنيها الى أيديولوجية معينة تكون الأساس في سير الحزب.
اذ تتشكل الأحزاب السياسية العراقية بناءاً على رغبة شخصية لدى فرداً يمتلك مالاً يجمع عدد من الشباب المتعطش للعمل السياسي فيطرح هذا الشخص أفكاره التي يحاول فيها استجداء عواطف المجتمع لكي يحقق مصلحة ذاتية وليس لتحقيق المصلحة العامة فنرى شعارات فارغة المحتوى لبعض الحركات السياسية التي وصلت الى البرلمان وحصدت مقاعد ليست بقليلة نتيجة تبينها أفكار احتجاجات تشرين ومن ضمن هذه الشعارات لعل ابرزها هو اختيارهم الاتجاه المعارض لكن هل هم يدركون تماماً مفهوم المعارضة النيابية فإلا الان وبعد مرور سنة من اجراء الانتخابات لم يفتحوا ملف فساد واحد.
 ونرى في العراق ايضاً سهولة تبدل الموقف فالعديد من الأشخاص البارزة في العمل السياسي يتلونون بين فترة وأخرى ويميلون حسب احتياج الشارع لأيدولوجية معينة فمن الطبيعي ان يتحول رجل الدين السياسي الى سياسي مدني او العكس، ومن الطبيعي ايضاً ان ينتمي فرداً الى حزب كان قد انتقده سياسته في وقتاً سابق، وتفتقر غالبية الأحزاب السياسية في تبينها برنامج تريد تنفيذه يكون هذا البرنامج مصاغ وفق رؤية حقيقية تكون مدركة واقع البلد وليس رؤية خيالية لن تتحقق في ظل وجود منافسة مع احزاباً سياسية تمتلك المال السياسي الهائل والسلاح.
لذا فأن نجاح أي حزب في العراق يتوجب عليه عدد من الوظائف منها تبني أيديولوجية يؤمن بها افراد الحزب، ووضع برامج واضحة ومفصلة تتجاوز الحديث عما يعارضه الحزب لتحديد ما تنوي عمله، أي تلبية حاجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية، وتصميم برامج تشاورية شاملة مع المجتمع لصياغة رؤية واقعية تخدم المصلحة العامة يكون نتيجة ذلك تحقيق غاية الحزب، وان يتم انتقاء صناع القرار داخل الحزب بعناية، وأن يتغلب الحزب على كافة التحديات المؤسساتية، ويحسن قدرته على توفير ما يحتاج إليه الشعب على المدى الطويل، والتخلي عن البرامج التقليدية وإيجاد طرق جديدة للتوصل لحلول من شأنها توفير فرص العمل، وضمان الحراك الاقتصادي، وتحقيق المساواة أمام القانون، ومكافحة الفساد، وضمان تمثيل سياسي أوسع وأكثر عدلاً.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام