آراء


سيف نايف

ديمقراطية العراق بين التحقيق والازمات

17/08/2022

يتميز النظام السياسي في العراق بالديمقراطية شبه المباشرة وتسمى ايضاً الديمقراطية النيابية او التمثيلية ويختار الشعب فيها من ينوب عنه لكي يمارس السلطة، فالشعب يبقى مصدراً للسلطة غير انه لا يمارس السلطة بنفسه بل يفوض السلطة الى حاكم يختارونه من بينهم، وهذا هو النوع الشائع في الوقت الحاضر، حيث يختار الشعب ممثلين او نواباً لمدة معينة من السنين لكن لا يستطيع الناخبون محاسبة النائب الى حين انتهاء فترة نيابته.
فمن الصعب وصف نظام المحاصصة في العراق بالنظام الديمقراطي لان الديمقراطية ليست التعبير عن حرية في الرأي العام فقط بل هي أن يملك الشخص الحق وصلاحية التصرف او الكلام او التفكير كما يريد دون أيّ ضوابط أو حدود، وإن السماح بقيام أحزاب ومنظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني، وإجراء انتخابات دورية لتشكيل سلطة تشريعية لا يعني تحقيقها ايضاً بل إن التحقيق يتطلب إدراك القوى السياسية والمجتمع لهذه الفكرة والعمل على انجاحها حتى إن تعارضت مع مصالحهم الذاتية.
ومن الصعب ايضاً وصف هذا النظام بالديمقراطية شبه المباشرة لكونها تعني الاعتراف بالانتخابات مهما كانت نتائجها لأنها خيار الشعب، وليس التشكيك والطعن فيها وعدم الاقتناع بنتائجها كما يحصل الان في العراق، فتارة تصبح الانتخابات مزورة لعدم تحقيق تحالف سياسي المقاعد التي كان يروم تحقيقها، وتارة تصبح الانتخابات نزيهة ولا يمكن اعادتها بعد صعود مرشحين هذا التحالف الى البرلمان بعد انسحاب نواب ندهم المباشر.
فرغم تشكيل حكومات عديدة وانتقال سلمي للسلطة بينهم وإجراء انتخابات واستفتاءات وأعمال مجالس نيابية ودستور مكتوب وغيرها من الخطوات التي وضعت على أساس بناء عراق مدني وديمقراطي لازال العراق الى الان لم يصل الى مرحلة تحقيق الديمقراطية شبه المباشرة الحقيقية، وذلك يرجع لعدم تناسب هذه الطريقة مع الواقع الذي يعيشه البلد، فمن الطبيعي ان يصل حال البلد الى ما هو عليه الان نتيجة اختيار الشعب اشخاصاً غير مهنين ولا يفكرون في مصلحة وطنهم بل همهم الأكبر الوصول الى زيادة ثرواتهم الشخصية او الحزبية، فضلاً عن وصول اغلبية المجتمع العراقي الى حالة اليأس والتذمر من هذه العملية السياسية وهذا ما تم تأكيده بعد تدني نسبة المشاركة في اخر عمليتين انتخابيتين جرتا في العراق، لكن هذا الامر لا يتحمله المجتمع فقط بل يتحمله من اصاغ دستوراً لا ينسجم مع البيئة العراقية وصاغه لأغراض حزبية ومكوناتية.
فكان من المؤمل إن تكون انتخابات تشرين السابقة هي المفصل الرئيسي لأحداث التغيير في العراق وتكون مدخلاً لتغيير العملية السياسية القائمة خاصة بعد انشطار المكونات الثلاثة الرئيسية في العراق وتحول التحالفين المشكلات الى تحالفين وطنيين يضم كل منهم ركناً من البيوت الثلاثة، ومطالبة احد التحالفين بحكومة الأغلبية الوطنية وتلقت هذه المطالبة بدعم كبير من قبل المتخصصين في الشأن السياسي وذلك لكونها احد الحلول الممكنة في الإصلاح، لكن عدم تقبل البعض نتائج الانتخابات وعدم احترامهم المدد الدستورية وتفعيل الثلث المعطل أصبحت هذه الانتخابات هي الأكثر انتهاكاً بخروقاتها الدستورية فنحن على اعتاب مضي سنة كاملة من اجرائها والى الان لم يتم انتخاب رئيس جمهورية ليكلف مرشح الكتلة الأكبر.
ونتيجة لحالة الانسداد السياسي الذي اتبعه استقالة نواب الكتلة الصدرية تتجه الأزمة السياسية للعودة إلى مربعها الأول فتعالت الدعوات من قبل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بالمطالبة بأجراء انتخابات مبكرة يأتي ذلك في ظل استمرار اعتصام أنصار تياره في المنطقة الخضراء وسط بغداد، فحدث تباين في الرؤى بين الفرقاء السياسيين فمنهم من أيد دعوة السيد الصدر بشرطية اللجوء الى الأسس الدستورية ومنهم من رفضها مطلقاً ومنهم من طالب بجراء حوارات شاملة لغرض عبور هذه الازمة وكان ابرز هذه المطالبات هي دعوة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الى حوار وطني لكل قادة البلد للمساهمة في إيجاد حل، مشدداً على أن المشاكل يجب أن تُحل بالحوار.
لكن الأهم في ذلك هل ستكون الانتخابات المبكرة الجديدة حلاً للأزمة في العراق؟ بالتأكيد لن يكون هناك حلاً لها وذلك لجملة من الأسباب أولها عدم امتلاك جميع القوى السياسية دون استثناء رؤية استشرافية يكون بضمنها برنامج إصلاحي لكافة مؤسسات الدولة، والسبب الاخر المتمثل بذاتية الأحزاب السياسية التي لن تعترف بخسارتها ورفضها من قبل الشارع العراقي وعدم اكتراثها الى الدستور، اما السبب الأهم من هذه الأسباب يتمثل برجوع نفس القوى السياسية التقليدية الى داخل قبة البرلمان وذلك بسبب عدم اقتناع المجتمع بفكرة التغير من الداخل فستكون نتائج الانتخابات المبكرة كسابقاتها مما سينتج عن ذلك صراع جديد بين هذه القوى السياسية وزيادة لأحاله الانسداد السياسي.
اما حل الازمة فلا يمكن إلا بعدة خطوات تبدأ بأجراء حوار جدي ومكشوف امام الرأي العام وإن تتوفر فيه خارطة طريق لمعالجة مشاكل البلد العديدة ويتم الاتفاق فيه على اجراء انتخابات مبكرة تكون بأشراف اممي فضلاً عن اتفاق بين جميع الفرقاء على تسمية رئيس حكومة انتقالية تكون مهمته اجراء انتخابات مبكرة ونزيهة مع إلزام جميع القوى المشاركة في هذه العملية السياسية على احترام نتائج الانتخابات مهما كانت ولا يمكن المساس بها مطلقاً، واحترام المدد الدستورية لكن يجب قبل ذلك تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بتعديل قانون الانتخابات وتعديل بعض مواد الدستور خاصة المتعلقة بالكتلة الأكبر.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام