آراء


سيف نايف

هل يمتلك العراق مقومات الدولة؟

23/07/2022


يرى الفيلسوف اليوناني ارسطو بإن مجموعة العوامل الاجتماعية والبيئية والسكانية هي التي تحقق وجود المدينة الفاضلة مع وجود شرطية إن تتناسب مساحة هذه المدينة مع حاجات المجتمع بحيث تستطيع الدولة من توفير حياة كريمة ومعتدلة لهم بالإضافة الى إن تكون هذه الدولة محصنة وصعبة الاختراق لكي تتمكن من حماية مجتمعها من خطر هجمات الأعداء، فعند دراسة تلك المقومات التي وضعها ارسطو لقياس مدى إمكانية اعتبار العراق كدولة فاضلة يؤكد لنا بإن العراق ينتظر فترة طويلة جداً لكي يتمكن إن يصبح كبلد فاضل.
ففي اول شرطية وضعها ارسطو فإن العراق الجديد لم يتمكن في توفير حاجات المجتمع فالمشاكل التي يعانيها الفرد العراقي أصبحت مشاكل كبيرة رغم كونها من ابسط حقوقه التي ممكن إن يتمتع بها وبعد قرابة 20 عاماً على زوال النظام الدكتاتوري لا زال الى الان المواطن يعاني من نقص في تزويده بالكهرباء ويقول بعض الخبراء بإن العراق قد صرف مبالغ هائلة لإنتاج الطاقة الكهربائية لكن بدون فائدة كبيرة وهذا ما أكده مصطفى الكاظمي رئيس مجلس الوزراء بإن الحكومات أنفقت نحو 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر وهذا الإنفاق غير معقول دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها.
فضلاً عن ذلك فأزمة السكن تتفاقم دون حلول، على الرغم من انشاء العديد من المشاريع السكانية الضخمة مثل مشروع بسماية في بغداد والدرة في كربلاء المقدسة وغيرها في بقية المحافظات إلا إن العراق بحاجة الى ملايين الوحدات السكنية لحل الازمة في البلاد، وبحسب وزارة الاعمار والاسكان والبلديات والاشغال العامة العراقية فإن البلد لديه نقص حاد في الوحدات السكنية يقدر بنحو 3.5 مليون وحدة، وترجع أسباب ازمة السكن في العراق الى جملة من المشاكل وهي النمو السكاني والهجرة من الريف إلى المدينة ، ونقص الموارد الطبيعية والمالية والأزمات والصراعات التي استمرت لفترة طويلة وتداعيات احتلال تنظيم داعش الإرهابي للبلاد وتدمير المنازل والبنية التحتية والمرافق العامة فضلاً عن عدم وجود رؤية حكومية لحل هذه الازمة ففاقمت هذه الاسباب الازمة السكانية حتى توصل الامر الى زيادة مبالغة في أسعار العقارات السكنية الموزعة في أنظمة الحكم السابقة حتى اصبحت اغلى من العقارات في مدن دول الجوار المستقرة.
ومن ازمة السكن نتحول الى ازمة المياه فتؤكد وزارة الموارد المائية العراقية إن المياه التي يحصل عليها العراق من نهري دجلة والفرات سوف تجف في غضون 20 عاما إذا لم يتم فعل شيء وقد أصبحت حالات الجفاف والعواصف الرملية وارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين درجة مئوية شائعة بشكل متزايد في العراق وقد تراجعت موارد المائية في العراق بنسبة النصف عن العام الماضي بسبب فترات الجفاف المتكررة وانخفاض معدل هطول الأمطار وتراجع منسوب الأنهار بحسب ما ذكره مسؤول حكومي لوكالة الأنباء الفرنسية، وعلى الرغم من محاولات الحكومة العراقية منذ أشهر التواصل مع الطرفين التركي والإيراني لإيجاد حلول متفق عليها لضمان حصة العراق المائية التي تأتي من أراضي الدولتين، فإن ما حصل هو قطع تام للمياه من قبل الجمهورية الإسلامية الايرانية والجمهورية التركية الأمر الذي بدأ يدق ناقوس خطر بشكل فعلي سيهدد مصدر الحياة الأساسي، فعلى الرغم من كون العراق شريكاً تجارياً مهماً للبلدين ويعد من المستوردين الكبار للمواد المصنعة في الدولتين، فضلاً عن تعاقده مع شركاتهما لتنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، فإن الجانبين كانا يسيران في اتجاه معاكس لهذا التقارب العراقي، حين اتخذا سلسلة من الإجراءات المستمرة التي زادت من خفض إيرادات المياه إلى البلاد بشكل كبير.
وفي الشرطية الثانية التي وضعها ارسطو في إن يصبح البلد فاضل (المدينة فاضلة) هو إن تدافع الدولة عن مواطنيها وبما إن المعروف للجميع بأن السيادة هي احدى المقومات التي يبنى عليها نظرية الدولة بأبعادها القانونية والسياسية وعندما نقول إن الدول ذات سيادة فهذا يعني بإن للدولة الحق المطلق بإدارة شؤونها الداخلية وكيفية إدارة سياستها الخارجية دون إن يتدخل في صناعة قرارها أي ضغوطات او توجهات دولية او إقليمية وكيفية الدفاع عن مواطنيها من أي اعتداء خارجي او داخلي.
لكن في بلد الحضارات والمهد الأول يوجد توجهين حول مفهوم السيادة يتمثل الأول في الطبقة السياسية التي ترى بإن سيادة البلد حاضرة وبقوة، اما التوجه الثاني يتمثل في رأي الباحثين في الشأن السياسي الذي يرون إن السيادة مفقودة وذلك لكثرة التدخلات في صناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي من قبل محاور إقليمية ودولية عديدة ساعدهم في ذلك من هم في العمل السياسي سواء كانوا احزاباً او شخصيات سياسية بارزة وذلك بسبب ولائهم لهذه المحاور والتأمر بأمرهم لا ابالغ في ذلك لكن هذا الامر موجود وبقوة ولا يمكن بناء بلد يخضع حكامه وأحزابه وطبقته السياسية الى الأوامر الخارجية لانهم سيفضلون مصالح حلفائهم الخارجيين على مصلحة اوطانهم.
وليس التدخل في الشؤون الداخلية العراقية فقط من ينتهك سيادة البلد بل هناك مسألة اكبر واعقد واكثر انتهاكاً وهي سلسلة القصف المتكرر فتارة تقوم القوة العظمى العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة بقصف الشريط الحديدي مع سوريا بحجة قصفها لعناصر إرهابية لكنها تقوم بقصف قوات امنية عراقية رسمية فضلاً عن قيامها بعملية المطار الشهيرة دون اخبار الحكومة المركزية التي تعتبر انتهاكاً كبيراً للسيادة، ومن ناحية أخرى فقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعمل عدة هجمات صاروخية على مناطق عراقية تمثلت الأولى منهم بالرد على عملية المطار فضلاً عن العديد من الهجمات الصاروخية على إقليم كردستان بحجة الدفاع عن امنها القومي وكأن العراق اصبح كساحة لتصفية الحسابات لهم.
لكن من كان أكثر تمادياً هو الجانب التركي فقد استهتر بقصفه لمناطق عراقية بحجة اتفاقه مع العراق على امكانيته من توجيه ضربات لحزب العمال الكردستاني الذي تصفه انقرة بالمنظمة الإرهابية، لكن أبرز ضربة مؤلمة هي الأخيرة الذي استهدفت منطقة سياحية في إقليم كردستان العراق، وراح ضحيتها نحو تسعة شهداء و23 جريح بينهم نساء وأطفال، هذا الامر كان بمثابة استهتار تركي وعدم احترام للعراق وشعبه وسيادته وحكومته مما ترتب على ذلك غضب شعبي كبير مطالب حكومته بأجراء ما يلزم ضد الاعتداءات التركية المتكررة.
لذلك لابد إن نعترف بإن العراق يعتبر من البلدان الذي باتت منقوصة بالمعنى الحقيقي الفعلي لقدرة الدول الدفاع عن قرارها وأراضيها لذلك نجد في تلك الهجمات الصاروخية، انتقاصاً للسيادة العراقية التي تمر بأزمة كبيرة من الانتهاكات الخارجية، وهذه الانتهاكات تعتبر دليل على ضعف النظام السياسي وتقديم مصالح الكتل والأحزاب السياسية على مصالح البلد والشعب مما سمح بزيادة تمادي الدول بالتدخل في الشؤون الداخلية او تنفيذها لهجمات عدائية، وهذا ما يؤكد لنا بإن العراق لا يملك أي مقومات الدولة الفاضلة.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام