آراء


السفير عبد الكريم طعمة

في التثقيف الأنتخابي؛ أساس الحكومات؟

09/10/2021

((مشروعية الحكومات و غاية الأنظمة السياسية))
يمكن اجمالاً أن نقول بأن كل حكومة و نظام لابد له من أمرين؛ الأول مصدر المشروعية بمعنى من أين له الحق في الحكم على الناس و التسلّط على رقابهم و مصائرهم و ثروات البلد، و بأي حق يتكلّم بأسم الدولة و الشعب؟  هذا يمكن أن نسميه أساس الحكم. اما الأمر الثاني فهو غاية الحكم و سبب وجوده، بمعنى لماذا تحتاج الشعوب و الدول للحكومات و الأنظمة السياسية؟
فيما يتعلّق بالمشروعية هناك مصادر متعددة لها:
أولها: الألهي أو الديني، أو الحكم بالحق الألهي، كما هو في حكومات الأنبياء و الأئمة المعصومين ع، فهم يحكمون بأسم الله الخالق المدبر و المالك لكل شيء و الرازق بكل شيء لذلك فله المُلك و الحق بالولاية على كل شيء، ثم هو يخوّل مَنْ يشاءُ من عباده بالحكم و تدبير شؤون المجتمع البشري و التسلّط على أرواح و ممتلكات الناس و التحكّم بالثروات الطبيعية.
الثاني: فهو البشري و فيه نوعان الأول؛ فردي مثل الملوك و الأباطرة الذين يدّعون أنهم يملكون البلاد و العباد فلهم  الحق بالولاية و الحكم، و النوع الثاني هو الشعبي أو الديمقراطي بمعنى تفويض الشعب لفئة أو طبقة أو مجموعة أو فرد للحكم و تسيير أمور الدولة و تسليم الولاية لهم على رقاب و مصائر و ثروات الناس.
سنترك الحديث عن ولاية الملوك و الأباطرة فهذا امرٌ لا أساس له و لا يستحق في نظري الكتابة في مدى مشروعيته.
أن للأول-الديني أو الألهي- وسائله من الآيات و البيّنات و المعجزات و الكتب السماوية و النصوص الدينية التي تبعث على الأطمئنان بصدورها عن الله تعالى فيذعنُ لها الناس و تخضع رقابهم لتلك البيّنات و المعجزات و يسلّموا لها تسليما فيقبلوا بالحاكم الديني.
أما الشعبي أو الديمقراطي فأساس مشروعيته هو رضا الشعب و تفويضه لمجموعة من الناس- الحكومة- للتسلّط على ثروات و مقدرات الدولة و على ارواح و أموال و شؤون الأفراد. يعني أساس المشروعية هو الرضا و القرار الحر للشعب بتسليط مجموعة معينة لتدير شؤونه. أن هذا النوع فيه ممارسات و آليات لأختيار و تشكيل الحكومة، و هي الممارسات الديمقراطية مثل الأنتخابات و البرلمانات أو مجالس نوّاب و ممثلي الشعب، و طرق التصويت المختلفة و الصحافة و الاعلام مراقباً و راصداً لعمل الحكومة، أو محشِداً للأمة في الأتجاه الذي تراه الطبقة الحاكمة صحيحاً.
إن الأمر الغريب و الذي لفتَ نظرى هو ما وجدته في آية قرآنية هي آية 25 من سورة الحديد إذْ تقول:
( لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله مَن ينصره و رسلَه بالغيب أن الله قوي عزيز) فهي تشرح النظام السياسي الديني بثمان كلمات فقط: أن الله تعالى هو الذي أرسلَ الرسُل و الأنبياء ص للناس، فمصدر المشروعية هو الله الخالق المالك. و لم يرسلهم بأنفسهم فقط برغم طاقاتهم الفريدة و مهاراتهم التي لا يدانيهم فيها أحدٌ من مجتمعاتهم، أرسلهم بالآيات البيّنات أي المعجزات و الدلائل الواضحات التي لاتدع أي شكٍ لدى الأنسان السوي بأن هذا الشخص مُرسَلٌ من الله تعالى و أنه معصوم عن كل خطأ و نسيان، و بذلك تطمئنُ نفوس الناس لأتباع هؤلاء الأشخاص المُختارين من قبله تعالى ثم لا يجدو في أنفسهم حرجاً ممّا يقضون و يصدرون من أوامر و لوائح. و بهذا قطع تعالى الطريق على كل مُدّعي للأتصال به بأن يأتي بآية و معجزة واضحة الدلالة بحيث لاتدع أدنى شكٌ في أنه مرتبط بالله تعالى فعلاً، و في هذا أعظم رحمة للناس و به أيضاً المعيار الذي ينبغي أن لا يغيب عن كل أنسان يواجه أحداً يدّعي بأنه مرتبط بالله تعالى بأي شكلٍ من الأشكال، أو أي مُدَّعٍ بأنه يأخذ أحكامه و أوامره عن الله تعالى مُتقمّصاً لدور الأنبياء و الأئمة المعصومين ع و مُدّعياً لنفسه حقوقاً هي حصرية لهم.
ثم لم يترك الله تعالى انبياءهُ و رُسُلَه لأمكاناتهم الذاتية الفريدة، و لم يقف سبحانه عند المعاجز التي يجريها على أيديهم بل ينزّلُ معهم الكتاب أو النصوص الشرعية الحاكمة لتبقى بين يدي الناس يقتبسوا من ضيائها نوراً يمشون على هداه في حياتهم، فكان آخر تلك الكتب القرآن الكريم.
و لم يكتفِ تعالى بذلك، حباً بالبشريةِ و تحصيناً لمسيرتها من تدخّل كل آفاك و نصّاب و متلبّس بالدين، فأنزل معهم الميزان، فبالأضافة للمعجزات الواضحة و الدلائل البيّنة و الكتب المقدسة، أنزل الميزان. فما هو الميزان؟ نكمل الحديث، أن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة.






image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام