آراء


السفير عبد الكريم طعمة

في التثقيف الأنتخابي؛ لماذا تُجرى الأنتخابات أساساً؟

05/10/2021

لماذا هذه الخسائر الضخمة في الجهود و الأموال؛ مفوضية أنتخابات، و مراقبين محليين و دوليين، و مؤخّراً قرارات أممية من مجلس الأمن، و أجهزة و مستلزمات، و صرف مبالغ هائلة على الحملات الدعائية و الأنتخابية و على دوائر و موظفي مفوضية الأنتخابات و موظفي يوم الأنتخاب في جميع انحاء العراق خاصةً و نحن نعيش حالة من التقشف المرير؟ علاوة على ذلك تعطيل الدولة في أيام الأنتخاب. و إذْ ننسى فلا ننسى عندما كان يتبارى أبن لادن و قاعدته و الزرقاوي و عصاباته و ازلام النظام البائد في قتل العراقيين في موسم الأنتخابات و تدمير البلد في مسعى لمنعها. تُرى لماذا كل هذا؟
للأجابة نقول، أن العملية الأنتخابية فيها جانبان و على كل جانب يقف طرفٌ و لكل طرف أسبابه و دوافعه لأجراء الأنتخابات. و الجانبان هما؛ الحكومة و النظام أو الطبقة السياسية (الحاكم)، و في الجانب الآخر الشعب (المحكوم). تحتاج الحكومة للأنتخابات لتبرير وجودها و منها تستمدُ مشروعيتها و على أساسها تفرض سطوتها و تتحكّم بأموال و أرزاق و رقاب الناس أو الشعب. أما الشعب فهو عن طريق الأنتخابات يسعى لأختيار أفضل حاكم و أحسن نظام للسنوات الاربع القادمة. لكن ليس هذا عقدٌ كعقد البيع و الشراء إذْ يصبح العقد ثابتاَ و لا رجعة فيه بمجرّد التوقيع بين الطرفين، كلا، فأن تفويض الشعب للنوّاب و الحكومة محكوم بمدة محددة بحسب الدستور، علاوة على ذلك فأنه حتى خلال هذه المدة فأنه ليس تفويضاً لا رجعة فيه، إذ أن الأنظمة الديمقراطية تتيح للشعب حق مراقبة النظام و تقويمه من خلال الصحف و الجمعيات و الأتحادات و من خلال التظاهرات و العصيان المدني و هذا الحق يعني أن التفويض من خلال الأنتخابات يمكن، في أي وقتٍ، أن يرجعَ الشعبُ عنه و يسحب شرعية الحكومة.
لكنه قد تختلط الأوراق و تتشوّه العملية الديمقراطية عندما تقف فئة في الجانبين معاً في آن واحد، يعني قدمٌ هنا و قدم في الجانب الآخر، فهي تدّعي أنها تمثِّلُ الشعب لا بل هي الشعب، و في الوقت ذاته تقف في جانب الحكومة و تسعى لحصد أكبر عدد من الأصوات و بالتالي السيطرة على الحكومة و النظام القادم، فهنا الطامّة الكبرى و هلاك الديمقراطية. و هذا الأمر تحديداً هو أساس نشوء الدكتاتوريات و منه تستمدُ مشروعيتها؛ سواءٌ الديكتاتوريات الفردية، أو الفئوية و الحزبية. فالدكتاتور يدّعي أنه يمثّل الشعب و هو الشعب و أدرى بمصلحته لذلك لا يحق لأحد أن يُسائلهُ و يراقب عمله و بالتالي يحاسبه. نحن العراقيون عشنا دكتاتورية الحزب الواحد، حزب البعث المقبور، و عشنا دكتاتورية الشخص الواحد، صدام الهدام. كل الكبار منّا الذين كانوا واعين في تلك الفترة يتذكّرون شعارات و ممارسات و تصريحات و مبادئ الحزب الدكتاتوري أو الطاغية الدكتاتور التي تعكس هذا المرض و العاهة السياسية. فكانت النتيجة ضياع العراق و تشتت شعبه، و مازلنا لهذه اللحظة، الى حدٍ ما، نعيش نتائج و أمتدادات تلك الحقبة المظلمة في السلوك و المنطق و الشعارات مع أختلاف المسميات و تغيّر الشخصيات و الجهات، لكن الشبه أو حتى التطابق احياناً تجده واضحاً ينعكس في الكثير من الظواهر التي نعيشها اليوم.
إن الديمقراطية و في أهم عناصرها و هي الأنتخابات، تصبح بنظر الشعب ليست بذات جدوى إن لم تنتج الحكومة الصالحة القادرة على أدارة البلاد أدارة سليمة تحقق العدل الأجتماعي و الرفاه الأقتصادي و كرامة العيش للشعب و تضمن سيادة الدولة على كل اراضيها و ثروات البلاد و تثبّت وجودها و أحترامها دولياً. فإن لم تحقق ذلك ستكون العملية عبثية و ضياع لثروات الشعب و مصادرة حقوقه و تثبيت النظام الباطل و طلائه بطلاء الشرعية الزائفة. بل الأدهى و الأعظم انها بذلك ستخلق الأحباط في نفوس الأمة و بالتالي ستوفر المبرّر للتمرّد و السعي  للثورة و العصيان و الفوضى و "السحل بالشوارع" و المشانق و محاكم الثورة سيئة الصيت، و قد ينتهي الأمر الى ضياع الدولة و تشرّد الشعب. و حينئذٍ يخسر الجميع؛ شعباً و طبقة سياسية، أحزاباً و تيارات...لقد كان الأقبال الضعيف للشعب العراقي على الأنتخابات السابقة جرس أنذار بهذا المعنى، فهل أنتبهتْ الطبقة السياسية؟
أما الأحزاب و الجهات السياسية بمختلف مسمياتها فانها ترى الديمقراطية و خاصة الأنتخابات، وسيلةً للوصول للسلطة و احتكار القوة في المجتمع و التحكّم في رقاب الناس و حياتهم. فأن لم يتحقّق لها ذلك بالفوز بالأنتخابات، فإن ردُ فعلها سيكون واحدا من أثنين؛ الأول، أن تعلن الحرب بمختلف ألوانها على نتائج الأنتخابات و العملية الديمقراطية، تحت شعار "لو ألعب لو أخرّب الملعب"، مستخدمةً مختلف الوسائل و منها تهييج الناس و سوقهم لساحات الأعتصام و التظاهر و ربما التخريب في الممتلكات الخاصة و العامة أحتجاجاً على خسارتها في الأنتخابات. أما الثاني فهو أن تتحلّى بروح رياضية و تتقبّل الخسارة و تسعى للتحوّل للمعارضة و مراقبة عمل الحكومة و تصيّد هفواتها و تضخيم أخطائها بغرض الأطاحة بها و أستلام السلطة بدلاً عنها، يعني تبقى الدولة بين مدّ و جزر مؤامرات و مكائد الطبقة السياسية لا سيما في الديمقراطيات غير الناضجة و المفتقرة لجميع عناصر الديمقراطية التي تحكم ضبط العملية و توجه حركة الأمة في مسار تصاعدي تراكمي و ليس في دورات تقذف بالأمة و مقدراتها الى ملعب الأزمات و الصراعات و الحروب. ان أفضل الأدوات التي أثبتت فعاليتها في "اللعبة السياسية" هي أستخدام الدين من قبل الطبقة السياسية بهدف تحقيق مآربها في الوصول للسلطة و أحتكار الثروة و القوة، فإن فشلَـت في الوصول للحكم أستخدمته لتهييج الجموع من الناس و حشد الآلاف من خلال أستخدام ذكي و واسع لوسائل الأعلام العامة أو وسائل التواصل الأجتماعي او ما يوفّره الدين من منابر الجمعة أو مواسم الزيارات و المناسبات الدينية. و بالطريقة نفسها تستخدم الجهات السياسية غير الدينية عناصر أخرى في تهييج الجموع و سوق الحشود من أبناء الشعب كالحميّة العنصرية أو القومية، أو أستغلال بعض الحوادث لتهييج الناس. لقد تزايد في العقود الأخيرة لجوء تلك الأحزاب و الجهات، سواءٌ كانت داخلية أم خارجية، الى خلق و صنع تلك الحوادث ثم أستغلالها بخطة مرسومة بالأستفادة القصوى من التقنيات الأعلامية و علم السلوك الأجتماعي و النفسي لأسقاط حكومة ما أو تهييج شعبٍ ما بهدف تخريب العلمية الديمقراطية و السيطرة على الحكم، أو التخريب تحقيقاً لأهداف سياسية تخدمُ مصالحَ دول أجنبية. أن تأريخنا الحديث مليء بشكل ملفت للنظر بأمثلة واضحة عن ذلك، كما حصل في "الربيع العربي"، أو في أنشاء و تمويل و تدريب المنظمات الأرهابية الدولية كمنظمة القاعدة، و من ثم طالبان، و أخيراً داعش الأرهابي، و جميع ذلك قامت به أكبر دولة تدّعي الديمقراطية في الكرة الأرضية، يداً بيد مع أكثر الأنظمة دكتاتوريةً و ظلماً و رجعية على وجه الكرة الأرضية. فسبحان الذي جمع النقيضين- كما يبدوان في الشعارات و المظاهر على الأقل-، لكن بعد التدبّر نكتشف ان اللعبة هي اللعبة و الأسس هي الأسس، و ما الدين و الجهاد و ما الديمقراطية و حقوق الأنسان و حرية الشعوب، سوى وسائل أثبتت نجاحها بشكل يفوق الخيال في سوق الشعوب و تهييج الشباب بهدف الأستحواذ على الأنظمة و الدول و أحتكار الثروة و السلطة و أسقاط المنافسين سواءٌ كانوا فئات أو جهات داخلية أو دول أجنبية تتنافس في السيطرة على هذه الدولة أو تلك. نستجير بالله تعالى من مكرهم

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام