آراء


السفير عبد الكريم طعمة

بمناسبة الأنتخابات، أستمعوا لما قالته الحجونية!

07/10/2021

وردَ في كتب التأريخ، إن معاوية بن أبي سفيان بعثَ بطلب سيدة أسمها دارمية الحجونية ليسألها بعدما أنتصر بمكرهِ و غدره و تخاذل الناس عن نصرة حقهم و بعدما استشهدَ الأمام علي ع، خليفة المسلمين الشرعي؛ دينياً و ديمقراطياً. هذه السيدة كانت من محبيّ الأمام علي ع، و معاوية يعلم ذلك- و هذا من أساليب معاوية إذْ دأبَ على استدعاء رموز أنصار الأمام علي ع.
هنا سؤال عرضي يطرحُ نفسه: تُرى لماذا يستدعي معاوية رموز أنصار الأمام علي ع؟ بالمختصر نُجيب باللآتي: ربما ليشعرهم أنهم تحت مراقبته و أن النظام لازال يتابعهم، أو ليُهينهم و يحرجهم و تيشفّى بهم، و قد يظنُ أنه يمكنه أن يستميلهم لتأييده، أو ربما يستخدم هذه الظاهرة كوسيلة دعائية "لديمقراطيته" لكونه لا يقتلهم برغم تصريحهم بحبهم للأمام علي ع في مجلسه.
سألها السؤال التالي: (على ماذا أحببتِ علياً و أبغضتيني و واليته و عاديتيني؟) قالت له: أتعفيني؟ قال: لا أعفيك! - لكم أن تتخيّلوا ذلك الجو و الأحراج الذي وضعها فيه و هو الحاكم الأوحد و قد تسلّط على رقاب المسلمين، لكن هذه المرأة أظهرتْ شجاعة عجيبة، و هذا ليس غريباً عن أنصار أهل البيت ع، لكن محل الشاهد هو حكمتها و درجة وعيها في معايير تقييم الحاكم- قالت: (أما إذا أبيتَ، فإني أحببتُ علياً على عدله في الرعية، و قسمته بالسوية...) الى هنا نكتفي بالخبر، و أقول: أنها لم تقل انها أحبَّت علياً لأنه كان يوصل الليل بالنهار عبادةً، و أنه إذا وقف للصلاة بين يدي الله تعالى فأنما ينفصل عن العالم بل لا يكاد يشعر ببدنه في حالة من الذوبان بالحب في الله تعالى حتى أنهم ذكروا في كتب التأريخ أنه كانت تُنتزَعُ السهام النابتة في بدنه ع أثناء صلاته فلا يشعر بالألم، و كم روى التأريخ لنا عن أنه ع كان يناجي الله تعالى فيقع مغشياً عليه من شدة خشوعه لخالقه، كل هذا ليس معياراً لدى هذه السيدة، و لم تقل له أنها أحبَت علياً لأنه سيد أهل البيت و لأنه الأمام المفروض طاعته عليها، كلا! كلا... بل ذكرتْ أولاً عدله في رعيته أي عدله في معاملة الشعب كله في الحب و المداراة و توزيع الواجبات و تقديم الخدمات فلا يميّز بين قريب و بعيد و بين عربي و أعجمي و بين مسلم و غير مسلم بل الرعية كلها عنده سواسية. ثم المعيار الثاني الذي يؤكّد الأول و يترجمه عملياً بأفضل ترجمة هو أنه ع كان يساوي بين ابناء الشعب في العطاء و القسمة  للثروات و ما يحويه بيت المال، فلا أنساب و لا أحزاب يعتمدها بل هي المواطنة فقط و العدالة للجميع.
غريب، أن تتقدّم هذه السيدة علينا و نحن في القرن الواحد و العشرين، فهذا بلدي مُكبّلٌ بأصفاد الطائفية غارقٌ في وحل المحاصصةِ في ظل غياب المواطنة معياراً و مقياساً، بعد عهود من دكتاتورية الحزب الواحد و طغيان القائد الأخرق و الأوحد فيما سبق. و من بعد ذلك تاهتْ المعايير فهذا يدعم ذاك السياسي لأنه من منطقته أو من طائفته أو قوميته، أو أنه السيد فلان أو أبن المنهج أو الحزب الفلاني، أو أنه سليط اللسان عالي الصوت في المبارزة في ميادين الأعلام، و أنشغلتْ الناس و تشوّشتْ عقولها بهذا الضجيج و توارت ملامح المعايير الحقة في وسط هذا الغبار.
توارى السؤال الحقيقي و غاب عن وعينا التشخيص الدقيق، فماذا نريد الرجل الصالح، أم النظام الصالح؟ ثم دعنا من الأختيار بينهما الآن فهذا فيه كلام و كلام، و لنبقى في الخيار الأول، فنفترض جدلاً أنه الأنسان الصالح، طيّب كيف نُثبِتْ أنه صالح؟ من مظهره، أم من نسبه أم عائديته السياسية أو الدينية أو الطائفية، أم غيرها من معايير لا تمتُ للحقيقة بصلة. تعيدنا هذه السيدة الحجونية الى صوابنا، فتصرخُ فينا: أنه العدل في الرعية و القسمة بالسوية، فمَن يقدر عليها فهو الصالح. بكلمة أخرى أن الذي تتوفّرُ فيه الصفات العملية السلوكية المناسبة لمنصب القيادة و الحكم هو الرجل الصالح بغض النظر عن الصفات الأخرى التي ربما تقع في زاوية الأمور الشخصية أو الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلّا الله تعالى، مثل قول بعضهم أن هذا متديّن فانتخبه، و ذاك خيّرٌ فأدعمهُ، فنقول كيف عرفتم أنه متديّن؟ فالدين عبارة عن عقيدة في القلب لا يعلمها إلّا الله تعالى، أم أنكم أطّلعتم على الغيب!؟ و كيف عرفتم أنه خيّر؟ هل لأنه قد أطلق لحيته أو لبسَ ما ثقلَ من المحابس أو أسودّتْ جبهته؟ أم أنه حلو اللسان منمّق الكلام يختار من الكلمات أصعبها و أكثرها رنيناً لكن لا يفقه السامع منها معنى مفيد! يناديني واقع عالمنا اليوم بصوت عالٍ: لو كانت هذه هي المقاييس الصحيحة فلماذا نجد أن أكثر الدول تقدّماً- التي يبذل أبناء شعبنا في سبيل الهجرة اليها و اللجوء لديها الغالي و النفيس- لانجد لديهم تلك العناوين بل لا تطرق سمعك فيها أية مفردة ممّا يصكُ أسماعنا هنا ليل نهار! أقول هذا عن علم و دراية و معيشةٍ هناك لسنين طوال، فلم أسمع يوماً في تلك البلدان أن قال أحدٌ، من أبناء الشعب الألماني مثلاً، أني انتخبُ فلان لأنه سيد من بيت السيد الفلاني أو أنه من القومية الفلانية أو المنطقة الفلانية أو هو متديّن أو خيّر، كلماتٌ لا معنى لها هناك على الأطلاق و المعيار الوحيد لديهم هو ما ذا قدّمَ هذا أو تلك من المرشحين؟ أو بماذا يوعد الشعب بكم وظيفة جديدة سيوفر للشعب أو كيف سيعالج المشكلة الفلانية و الأزمة العلانية؟ فالقضيةُ عندهم  برنامج عمل واقعي مثمر، و مهارات و قدرات و كفاءة شخصية للقائد، تلك المهارات التي تذكر لنا السيدة الحجونية أبرزها قبل الف و أربعمائة سنة! فالقولُ ما قالتْ الحجونية! و للحديث بقية...

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام