آراء


انس الشمري

تعيين "56".. والفقراء لهم الله

18/01/2022

يسير العراق على شفا حفرة في أصعدة عدة، سياسية منها واقتصادية واجتماعية، فعلى سبيل المثال وبعيداً عن الغوص في بحر السياسة العراقية الغامضة صاحبة التغييرات المفاجئة، ينتظرنا كمٌ هائل من الفقراء والمساكين، ضل بهم الطريق في بلد تكالبت عليه السيوف من كل حدب وصوب.
عند الخروج في مشوار بسيط لجلب بعض احتياجات المنزل، يلتقيك عدد من هؤلاء، تنظر في وجوههم تراها تعتصر ألماً، وخوفاً، ويأساً، وقد تفرحهم حركة يدك عندما تدخل إلى جيبك لتعطي ممّا أعطاك الله لهم، إلا أن ذلك الألف دينار غني عن التعريف، لا يسد رمق جوع عوائل متعففة ولا يغنيها.. وهنا لو تساءلنا وقلنا لماذا بدأت هذه الشريحة (المقصود بها الفقراء) تتنامى وتكبر في بلد غني؟.. الجواب فيه عدة تفرعات: لا فرص عمل، لا حقوق إنسان، رواتب إعانة اجتماعية مخجلة، اما التأمين الصحي فمعظم الشعب العراقي لا يسمع به من قبل إلا عن طريق الأفلام الأجنبية.. ووووو، إلى آخره من مشاكل جعلت العراقيّ في حيرة من أمره.
وعلى وقع تلك الكوارث التي حطّت على رؤوس العراقيين، باتت الجريمة، بغض النظر عن طبيعتها، متفشية، وبات الفقر ينخر بنا بلا رحمة، ليسرق منّا الأخلاق والقيم والمُثل العليا، ليرسم صورة غير لائقة بنا، واصبح الإنسان مصارعاً بل حصل على الحزام الأسود في مصارعة الزمن سعياً للرزق الحلال الذي اصبح عملة نادرة بل وسيلة لكسب رزق بطرق غير شرعية، أي بمعنى أن شحَّ فرص العمل باتت حيلة رزق لبعض الجهات التي من شأنها ومن اختصاصها الصيد في الماء العكر، وذلك عن طريق التحايل على الناس واستغلال حاجتهم للعمل، فمن منّا لم يسمع بقصة خريج بحاجة لتعيين أو عقد حكومي أو وظيفة بصفة أجير يومي لم يقع في فخ "القفاصة"؟، مرتدي "القوط" الرسمية والذواقين في انتقاء العطور الفرنسية الفواحة والساعات الذهبية غلوريا أو ما شابه.. التي يستخدمونها كوسيلة للإيقاع بفريستهم، ليدور الحوار التالي بين الطرفين: "القفاص: تريد شُغل؟، الخريج: أي والله، القفاص: بيا وزارة تريد؟.. الخريج: حي الله وزارة، القفاص: عندي بالوزارة الفلانية تريد؟.. الخريج: أي والله، القفاص: بـ50 ورقة تدفع؟".. وهنا اذا توفر هذا المبلغ في جيب الضحية، فسيتم الدفع وتنهي القصة نحو هاتف مغلق واختفاء غير مسبوق "للقفاص"، وإن كان الجيب خاوياً.. فالله المستعان في الحالتين.
بالمختصر، العراق بحاجة لعقول مدبرة، تنتشل شبابه من يأسهم الذي اصبح يدفعهم بلا يأس نحو سوح التظاهر للمطالبة بالحقوق، بعضهم قد يكون "على حس الطبل خفن يا رجلية"، إلا أن الجزء الأكبر منهم متضرر بشكل حقيقي، مهندس أو ممرض أو معلم أو مدرس يجوب الشوارع بحثاً عن فرصة عمل تتمثل بغسيل صحون في مطعم أو في كراج لغسيل السيارات أمر صعب جداً، وهذه ليست بصدفة إنما هذا نتاج عقول مخربة قادت البلد إلى ما هو عليه الآن.
توفير الوظائف واجب على الدولة، والحكومة، وكل جهة متواجدة في أي نظام حاكم في كافة بقاع العالم، وعلى من يعتلي سدة الحكم عدم الرضوخ للرغبات والمصالح الشخصية، وعدم التطاول على حقوق الشعب، فالشعب مصدر السلطات، وبوضع العالم تحت المجهر، والضغط على زر "الزووم" صوب العراق، نجد أن الأخير بحاجة إلى نظام وقانون صحي لا أعرج ومريض، للنهوض بالقطاع العام والخاص على حد سواء، وقطع الطريق أمام المتربصين بحاجة الناس وقوتهم اليومي، فضلا عن الحد من العمالة الأجنبية التي أشغلت أغلب مقاعد وفرص العمل، وهذا الأمر لو تعمقنا به وفكرنا فيه ملياً نجده قد أثّر على الرغبة في التعليم والوصول إلى مراحل متقدمة منه لدى المواطن العراقي، كون الأخير بات يعي جيداً أن الشهادة سوف لن يقابلها فرصة عمل في المستقبل، لذا نرى أغلب الشباب وحتى بعض البنات قاطعوا الجامعات والمدارس سعياً للرزق، وما هذا إلا بمخطط مدروس، الغاية منه تجهيل الشعب، وجعله متخبطاً غير صامد، فقير الحال، همه الأول والأخير هو كيفية توفير مصروف العائلة وكيف سيدفع إيجار المنزل وكيف سيؤمن مصاريف أطفاله واحتياجاتهم اليومية، وإبعاد نظره عن مستحقاته والمطالبة بها.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام