آراء


عبدالهادي مهودر

بخت كولومبس

24/06/2020

تختصر مناهجنا الدراسية تعريف الرحالة الايطالي كريستوفر كولومبس بأنه مكتشف قارة أمريكا ، فيما يواصل الأمريكيون إسقاط تماثيله وقطع رؤوسها وإلقائها في البحر ، وتحطيم جميع تماثيل رموز العنصرية في الولايات الامريكية الغاضبة على مقتل المواطن الأسود جورج فلويد، أي إن السيد كولومبس عنصري وإستعماري وإسمه وتمثاله يستفزان السكان المحليين ، مايعني ان مناهجنا الموقرة أخفت النصف الآخر من تاريخه الذي دفع المتظاهرين اليوم إلى البحث عن تماثيلة "ولاية ولاية وفلكة فلكة" ليحطموها ويسحلوها في شوارع فرجينيا وغيرها.
وإلى ما قبل أزمة جورج فلويد لم يكن إسم كولومبس يتردد في نشرات الأخبار ولم نكن نهتم بماضيه الدموي مع الهنود الحمر ، لكن مشهد لف تمثاله بعلم محترق ورميه في البحر  أحالنا الى (بلاوي) تأريخنا المزيف فكم من أمثال كريستوفر كولومبس في هذا العالم مجدتهم المناهج وخلدتهم التماثيل ولمّع المؤرخون صورهم وقدموهم لنا كمحررين وثوار  وأصبح شبابنا يضعون صورهم على صدورهم وزجاج سياراتهم  ويتخذونهم قدوةً دون علم بكونهم طغاة وسفاحين بنوا أمجادهم على جثثِ ضحاياهم ، وفي المقابل كمْ طمسَ التاريخ أسماء تستحق التخليد بدوافع سياسية وعنصرية وقومية وطائفية ، تأكيدا لمقولة "التاريخ يكتبه المنتصرون" ، وكمْ تمثال لشخصيات عربية وإسلامية لاتستحق تم وضعها في ميادين العواصم والمدن العربية إذا تمعّنا في ماقدمته للشعوب وماجرته عليها من  نكباتٍ وويلات وفقر وجوع ، وفي تاريخنا الكثير من الصدمات لأسماء رُفعت أو وُضعت وطُمس ذكرها بدوافع وانتقائية وتحفظات غير منصفة.

كولومبوس  الذي وصل الأراضي الأمريكية في (١٢‏ تشرين الأول من العام ١٤٩٢ ميلادية ) كنا "لا نسمع عنه إلا الخير" وفجأة أصبح يشار له كأحد رموز العنصرية والمرتكب لجرائم ضد الإنسانية وأنه دخل أمريكا على جثث أهلها ونال كراهية السكان الأصليين وتضخمت ثروته واقتيد إلى  المحكمة الملكية من قبل الأسبان ممولي حملته الاستكشافية وإرتبط منجزه الاستكشافي الكبير بالذهب والجشع والتمييز العنصري، ومن المفارقة أن يرتبط إسم هذا المستكشف المغامر بولادة عالَمين جديدين ، مرة باكتشافه لمساحاتٍ واسعة من الأراضي والجزر ، ومرة بما نعيشه اليوم من أحداث تنبئ بولادة (عالم مابعد جائحة كورونا) ومايمكن أن نسميه بثورة السود التي تجاوزت حدود بلاد العم سام ويلسون، وأججتها حماقة الشرطي الأمريكي الذي خنق فلويد حتى الموت وكشف ماخفي من حياة كولومبس.

وعلى الرغم من إن هذا الرحالة ليس عربيا ولاكرديا ولاسنيا ولاشيعيا فلايمكن فهم الأسباب والدوافع التي تجعل كاتب المناهج ينظر بعين واحدة ويجمّل الوجه الأسود لكولومبس كما هو ديدن المؤرخين الذين لعبوا بالتاريخ "لعب الخضيري بشط"، لكنه مواطن إيطالي تم تعريفنا بالجزء المضيء من سيرة حياته والتستر على جرائمه بقتل ربع مليون إنسان وسرقة أموالهم وسبى نسائهم ، اضافة الى إننا منحناه لقب مكتشف أمريكا التي إكتشفها قبله أقوامٌ آخرين لكن يبدو أن الرجل (مبخوت ومسنود وظهره قوي)، كما أن صدمتنا بكولومبس تؤكد أن نبش التاريخ سيفجّر صدمات عنيفة لسنا بحاجة لها، 
وكل مامطلوب هو الأمانة والإنصاف في ذكر الحقائق التاريخية عن أي شخصية وذكر ما لها وما عليها ، فمالضير لو قلنا إن كولومبس "مكتشف عظيم لكنه متهم بإرتكاب جرائم عنصرية" وأبوك الله يرحمه!

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام