كيف خرجت الهند من كابوس الأسوق الناشئة؟

تقارير |   06:36 - 08/06/2019


متابعة – موازين نيوز
عندما أوصت لجنة رئيس بنك الاحتياطي الهندي السابق "أرجيت باتيل" باستهداف مستوى معين للتضخم، كان عدد المفتائلين بشأن نجاح الأمر محدوداً.
لكن حكومة رئيس الوزراء الهندي مودي نفذت الخطة التي ربما أنقذتها من الهجوم السياسي حيال ارتفاع الأسعار. ( يذكر أن نتائج الانتخابات في الهند كشفت عن فوز الحزب التابع لحكومة مودي).
وتوجد مسألة واحدة شائعة في كافة الانتخابات العامة بالهند طوال السنوات الماضية منذ الاستقلال وهي ارتفاع الأسعار، لكن هذا الأمر غائب تقريباً في عام 2019، بحسب رؤية تحليلية نشرتها صحيفة "ذا إيكونوميست".
ويبدو أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضروات والفواكه وأجهزة التلفزيون والسيارات والثلاجات التي تضغط على جيوب المستهلكين مالياً أصبحت بعيدة عن حسابات الجميع مع عدم وجود أيّ جهة بما في ذلك حزب المعارضة الرئيسي يشكو من هذه المسألة.
وظل معدل التضخم الذي يقيسه مؤشر أسعار المستهلكين دون المستهدف الذي حددته الحكومة البالغ 4 بالمئة لمدة 8 أشهر على التوالي، على الرغم من تقلب أسعار خام النفط وعدم هطول أمطار كافية في مناطق عديدة من البلاد.
لكن رئيس ونائب لجنة السياسة النقدية المكلفة بمهمة الحفاظ على ارتفاع الأسعار في حدود 4 بالمئة مع وجود مساحة لتحريك معدل الفائدة بمقدار نقطتين مئويتين في كلا الاتجاهين لديهما آراء مختلفة حول ما يخفيه المستقبل.
ولكن التوقعات تشير إلى أن معدل التضخم سيكون في نطاق يتراوح بين 3.5 إلى 3.8 بالمئة خلال النصف الثاني من العام المالي.
ويمر كل اقتصاد ببعض التغيرات الهيكلية التي تغير ديناميكاته سواء للأفضل أو للأسوأ.
وبعد أن عاشت الهند الجزء الأكبر من العقد السابق بمعدل تضخم يتجاوز 10 بالمئة، فهل الأرقام مختلفة الآن؟، هل أصبح التضخم شيئاً من الماضي بالنسبة للهند؟.
وعلى الرغم من أن المستهلكين استفادوا من معدلات التضخم المنخفضة إلا أن هناك جانباً آخر للأسعار الجيدة، وهو دخل المزارع.
"لقد كان التضخم قضية رئيسية وسيظل كذلك"، كما يرى رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة في بنك "جي.بي.مورجان".
وتابع "جاهانجير عزيز": نحن لا نرى التضخم كوننا نركز على الأسر الحضرية فقط، لكن استمرار تراجع أسعار الغذاء أدى لهبوط إيرادات المزارعين من السلع الغذائية لأدنى مستوياتها بأكثر من 35 عاماً.

إصلاحات السياسة
كانت الهند مثل معظم الاقتصادات الناشئة تتلقى عادة ضربة من ارتفاع الأسعار الناجمة عن ضعف القدرات بالإضافة إلى اختناقات في البنية التحتية والإسراف المالي.
وكانت الزراعة في مركز أسباب تسارع التضخم مع اعتماد أكثر من 60 بالمئة من المزارعين على الأمطار الموسمية دون وجود مياه ري كافية.
كما لعبت التطورات الدولية مثل أسعار خام النفط دوراً حيوياً في زيادة الأسعار، فضلاً عن أن الافتقار لوجود نقطة ارتكاز بالنسبة لصانعي السياسة بالبنك المركزي مع التدخل السياسي المستمر تسبب في سياسات نقدية غير فعالة.
وبدأت الأمور تتحول بمجرد تولي راغورام راجان منصب محافظ البنك المركزي في عام 2013، حيث شكل لجنة برئاسة باتيل لإعادة النظر في صنع قرارات السياسة النقدية.
واقترحت اللجنة هيكل لجنة السياسة النقدية مع وجود أعضاء خارجيين تركيزها الوحيد هو استهداف التضخم وهو ما فعلته حكومة مودي، ما أدى لمعدلات فائدة مرتفعة للغاية لدرجة الانتقاد.
وبعد ما يقرب من 3 سنوات وبعد أن كان التضخم في الهند هو الأعلى بين الاقتصاديات الناشئة في عام 2013، بات الآن الأدنى.
وعلى الرغم من أن حكومات الولايات لها دوراً أكثر هيمنة في الاقتصاد الزراعي، فإن الحكومة الاتحادية أقنعت 14 ولاية بتعديل قانون لجنة إنتاج وتسويق المنتجات الزراعية ما مكن المزارعين من تخطي الوسطاء الذين يسيطرون على مخزونات الجملة.
وبحسب الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس "براشي ميشرا"، فإنه يعتقد أن المحرك الرئيسي لهبوط أسعار الخضروات هو على الأرجح تحرير الأسواق، مشيراً إلى أن تضخم أسعار الخضروات تراجع بشكل حاد في عامي 2014 و2015 وظل منخفضاً منذ ذلك الحين.
ويتزامن التوقيت الذي شهد هبوطاً حاداً في تضخم أسعار الخضروات مع شطب الخضروات من قانون لجنة إنتاج وتسويق المنتجات الزراعية في 14 ولاية.
وكان الغذاء هو المحرك الأساسي للتضخم، حيث يمثل نصف إنفاق المستهلكين لمعظم الأسر تقريباً لكنه يشهد هدوءاً منذ حوالي 4 سنوات حالياً.
ومن بين 108 أشهر خلال الفترة بين عامي 2000 وحتى عام 2009، كان معدل التضخم في الغذاء أعلى من 4 بالمئة خلال 56 بالمئة من هذه الأشهر ويتجاوز 10 بالمئة في 25 بالمئة من هذه المدة، وفقاً لما ذكره جولدمان ساكس.
وبعد عام 2013، كان معدل تضخم الغذاء أقل من 4 بالمئة لنحو 55 بالمئة من هذه الأشهر قيد البحث.
وتراجع متوسط معدل التضخم للخضروات من 31 بالمئة في عام 2013 إلى 1 بالمئة في عام 2016.
وبالنظر لتوقعات إدارة الأرصاد الجوية التي تشير لأمطار موسمية أقل من المعتاد، فهل سيعود مجدداً هاجس ارتفاع أسعار الغذاء؟.
يمكن أن تلجأ الحكومة إلى المخزونات الكبيرة التي تمتلكها من المواد الغذائية الأساسية كما أن لديها خيار بيع تلك المخزونات في حالة حدوث أيّ زيادة مفاجئة وكبيرة في أسعار الغذاء، بحسب الاقتصادي في بنك باركليز "سيدهارثا سانيال".

على الساحة العالمية
استهداف التضخم، وهو مفهوم تم اقتباسه من الأسواق المتقدمة، حقق نتائج جيدة بالنسبة للهند من حيث إبقاء ارتفاع الأسعار داخل نطاق مقبول.
لكن البنوك المركزية بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي تكافح مشكلة مختلفة، ألا وهي أنهم غير قادرين على دفع التضخم نحو المستهدف البالغ 2 بالمئة منذ الأزمة المالية العالمية.
وفي الوقت نفسه، فإن الهند كذلك تشهد تصخم أقل من المستهدف، لكن هل هذا يعني أن بنك الاحتياطي الهندي يتساوى مع الفيدرالي؟
على الرغم من النجاح في خفض معدلات التضخم، إلا أن المقارنة مع الأسواق المتقدمة قد تكون غير صحيحة، كما يقول "شوبهادا راو" الخبير الاقتصادي في "يس بنك إن.إس.إيه".
ويضيف "راو" أن انخفاض معدل التضخم كان مصحوباً بتراجع حاد في أسعار النفط عالمياً من أكثر من 100 دولار للبرميل في عام 2009.
ثانياً والأهم من ذلك، أن التضخم في الهند لا يزال يمثل ظاهرة يحركها جانب العرض مقارنة بالعوامل الواضحة التي يحركها جانب الطلب في الاقتصاديات المتقدمة.
واضطر الفيدرالي في العام الحالي لتغيير سياسته النقدية بعد الإشارة إلى سلسلة من الزيادات في معدل الفائدة بالعام الماضي.
وكان ذلك بسبب حقيقة أن الاقتصاد آخذ في التباطؤ كما أن التضخم بعيداً عن المستهدف البالغ 2 بالمئة الذي حدده لنفسه على الرغم من تراجع معدل البطالة لمستوى قياسي متدني إلى جانب العجز المالي المرتفع واستمرار تدفق الأموال من برامج التيسير الكمي.
وهذا يثير التساؤلات بشأن قناعات مؤيدي النظرية النقدية بشأن أن التضخم في أي مكان دائماً ما يكون ظاهرة نقدية.
وفي الأسواق المتقدمة، يبرر الاقتصاديون التضخم الضعيف بتحسن إنتاجية العمال بسبب التطورات مثل بيع أمازون للسلع وارتفاع أعمال السكان وتراجعه إنفاقهم.
لكن الوضع في الهند يختلف مع الملايين الذين لا يزالون تحت خط الفقر إضافة إلى بنية تحتية ضعيفة وتزايد عدد الأشخاص الذين بدون وظائف تعد ضرورية لرفع مستوى المعيشة.
يقول فارما: "لا اعتقد أن الأمر مشابه، حتى مع وجود بعض الموضوعات الشائعة مثل العولمة والمزيد من المنافسة وإبقاء أسعار التصنيع منخفضة إلى جانب دور نشر التكنولوجيا الذي يؤدي إلى الكفاءة".
وتابع: وإذا نظرنا إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، فإن معدل التضخم الأساسي (ارتفاع الأسعار مع استبعاد تكاليف الغذاء والوقود) كان منخفضاً للغاية، أما في الهند فإنه كان أعلى من 4 بالمئة.

لغز مخاطر السياسة النقدية
تكمن الإجابة عما إذا كان التضخم تم التغلب عليه في نموذج تصويت أعضاء لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الأخير.
وبينما صوت 4 أعضاء لصالح خفض معدل الفائدة أراد عضوان مستقلان، التثبيت عند نفس المستويات الحالية.
وصت محافظ البنك "شاكيتكونتا داس" للاجتماع الثاني على التوالي لصالح خفض معدل الفائدة، بينما خالفه في الرأي نائبه.
ويبدو أن المحافظ ونائبه يقرأون بيانات التضخم والنمو الاقتصادي من وجهة نظر مختلفة، فبينما يرى الأول أن النمو بحاجة لدفعة إضافية يعتقد الثاني أنه يتسارع بالفعل.
ويقول عزيز من بنك "جي.بي.مورجان" إن آخر شيء نريده هو أن تصبح لجنة السياسة المقدية بمثابة غرفة تكرار، حيث لا يزال البعض متمسكاً بما حدث في الماضي لاستخلاص استنتاجاتهم حول معدلات الفائدة في حين يركز الآخرون على كيفية تطور الأمور خلال فترة الستة إلى الإثنى عشرة شهراً المقبلة لصنع قراراتهم.
ولا يعتمد أعضاء لجنة السياسة النقدية السنة على البيانات السابقة بشأن التضخم فقط لكنهم يسترشدون كذلك بالتوقعات حيال اتجاه الأسعار في العام المقبل.
ويتوقع المركزي الهندي أن يسجل معدل التضخم 4.1 بالمئة بعام 2020 لكن مثل كافة البنوك المركزية قد يكون الواقع واقعاً مختلفاً عن التوقعات سواء في الاتجاه الصاعد أو الاتجاه الهابط.
وبعيداً عن العوامل العالمية، فإن سياسات الحكومة تحدد حالة الأسعار في الاقتصاد، حيث يمكن أن تكون دوامة سعرية مثل الوضع في فنزويلا أو ترويضية كما هو الحال في ألمانيا.
ويعد التناغم بين بنك الاحتياطي الهندي والحكومة حول مزامنة هدف احتواء الأسعار هو الذي أدى لانخفاض معدل التضخم خلال السنوات الأربع الماضية.
ومن أجل استمرار التضخم هكذا، يجب على صانعي السياسات أن يستمروا في تحقيق هدف خفض معدل التضخم تجنباً للفشل الذي من شأنه أن يمحو مكاسب السنوات القليلة الماضية.
ومن شأن بقاء الإرادة السياسية للحكومة المقبلة ملتزمة باستهداف التضخم، أن يحدث الفارق بين ما إذا كان يُنظر إلى الهند كاقتصاد ناشئ غير موثوق به أو آخر متطور يلعب وفقاً للقواعد.انتهى29/6ن


اخبار ذات الصلة

image image image
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام