آراء


عبدالزهرة الهنداوي

الحكومة الانتقالية .. مهام محددة ، وتحديات مشددة

03/02/2020

يقول العراقيون في امثالهم "كل تأخيرة وبها خيرة"، ولعل هذا المثل ينطبق على واقعنا اليوم ، فبعد تأخير طويل ، نجح رئيس الجمهورية بتكليف السيد محمد توفيق علاوي ، لتشكيل الحكومة الانتقالية ، التي لن تكون مهمتها سهلة على الإطلاق ، فثمة تداعيات كبيرة وخطيرة يشهدها العالم والمنطقة والعراق ، تتطلب وجود حكومة عراقية قوية  ، قادرة على اتخاذ القرارات المهمة ، التي ترقى إلى أهمية وخطورة تلك التحديات ، فنحن اليوم امام الزحف الخطير لجائحة "كورونا" الجديد ، الذي فتك بالصينيين ، بعد دخول اتفاقنا معهم (النفط مقابل الاستثمار) حيز التنفيذ !! ، وهذا الوباء المرعب ، بحاجة الى اجراءات على مستوى عال ، لتأمين الحدود من احتمالية اختراقها من قبل الفايروس ، المثير للهلع ، وعلى ذكر الاتفاق النفطي ، فإنه هو الاخر بحاجة الى تفعيل سريع ، بعيدا عن تهديدات "كورونا" واتباعه ، لاسيما بعد انتشار شائعة مفادها ، ان الامريكان هم من صنع هذا الفايروس ، وارسلوه الى الصين ، في اطار الحرب الاقتصادية بينهما ، وبالتالي ، سيكون انقاذ الصينيين من هذا البلاء ، يمر عبر بوابة واشنطن ، فهي الوحيدة القادرة على صناعة المصل المضاد له ، وهذه الحكاية ، تشبه الى حد كبير ، حكاية داعش ، وكيف اوجدها الامريكان في المنطقة ، ليحولوا بلدانها بعد ذلك الى اكبر سوق لشراء السلاح الامريكي ، فضلا عن ان داعش يمثل اعظم عامل لالهاء شعوب المنطقة ، لكي تنسى الوجود الاسرائيلي في فلسطين ، بلحاظ ، صفقة القرن الاخيرة التي اعلنها ترامب الاسبوع الماضي ،  في استفزاز صارخ لمشاعر العرب والمسلمين ، الذين لم يعرهم "ترامب" اي اهتمام ، على الأقل بوصفهم من الأصدقاء الابعدين ، وليس الأقربين !! 
والتحديات ، لن تتوقف عند "كورونا" وداعش وصفقة القرن ، انما أمامنا  تحدٍ اخر ، هو الحرب المعلنة بين طهران وواشنطن ، التي اتخذت من العراق ساحة لاحدى معاركها  ، وما نتج عن هذه الحرب ، من وضع متأزم في البلد ، فقد تسببت تلك الحرب بإحداث انشقاق حاد في الطبقة السياسية ، كاد ان يودي بنا الى منزلق خطير ، بعد ان اختلفنا بشدة  ، حول  وجود القوات الاجنبية في العراق ، فمنا  من دعا بقوة لجلائها ، وعزز هذا الموقف ، قرار مجلس النواب ، الذي غاب عن جلسته الرافضون  لهذا الجلاء ، معتقدين ، ان  ظروف البلد مازالت غير مؤاتية لأمر  من هذا القبيل ، فالانسحاب ، قد يشجع داعش على الظهور إلى السطح  مرة أخرى !!.
واذا ما اردنا الاستمرار في عرض واستعراض التحديات ، فإن التظاهرات الاحتجاجية التي دعا رئيس الوزراء المكلف الى استمراها ، لحين تتفيذ مطالبها  وقد امضت شهرها الرابع ، شهد البلد خلالها ، ارتباكات حادة في جميع المفاصل ، ناهيكم عن تلكم الدماء الزكية التي سالت لشباب مازالوا في عمر الورد   استشهدوا في ساحات التظاهر  ، بعد ان خرجوا مطالبين  باعادة رسم الواقع العراقي بنحو مختلف ، وكذلك أؤلئك الابطال من ابناء قواتنا الامنية الذين سقطوا شهداء وهم يؤدون دورهم في حماية ساحات التظاهر ، بفعل اعمال الشغب والاعتداءات التي شابت التظاهرات ، فضلا عن آلاف الجرحى والمصابين من رجال الامن والمتظاهرين ،وهذا هو التحدي الأكبر والأخطر الذي يستدعي رسم خطة واضحة المعالم ، توصلنا الى حلول ترضي الجميع  ..
اما التحدي الاخر ، فهو تحدي الموازنة ، فها هي اشهر السنة تمر ، والبلد مازال من دون موازنة ، ما يجعلنا أمام الخشية من عودة شبح ٢٠١٤ ، عندما اخفق الجميع في تمرير القانون ، ولنا ان نتصور المشهد الاقتصادي والاجتماعي في ظل غياب قانون الموازنة خصوصا اذا ما وصلنا الى الشهر الرابع او الخامس من السنة .
وليت الامر توقف عن هذا التحدي ، اذ لا ينبغي تجاهل قضية اجراء الانتخابات المبكرة ، التي كانت تمثل المطلب الرئيس للمتظاهرين ، ومازال هذا الملف يمر بمخاضات عسيرة ، قد تتسبب باجهاضه تماما ، ولهذا مطلوب من الحكومة الانتقالية ان تولي هذا الملف اهتماما استثنائيا ، لكي يتجاوز حقول الالغام التي تحيط به !!،.. كما ان لدينا استحقاقا اخر ، وهو اجراء التعداد العام للسكان عند نهاية هذا العام ، فقد يواجه تنفيذه مشاكل نتيجة عدم اقرار الموازنة ، وشائكية الحقل السياسي ، ولا شك ان الجميع يعلمون ويدركون اهمية إجرائه ، بعد مضي نحو  ٣٣ عاما لم يشهد العراق خلالها تعدادا سكانيا شاملا ..
وإزاء ما تقدم ، ومع وجود كل تلك التحديات الجسام ، التي لن تتمكن الحكومة الانتقالية  ، من معالجتها بالكامل ، انما على الاقل ، ان تمكنت هذه الحكومة ، من اكمال مهامها الاساسية ، فانها بذلك ستؤسس للحكومة المقبلة التي ستأتي عبر صناديق الاقتراع بانتخابات شفافة لاتشوبها الشوائب ، ولعل من اهم مهام الحكومة الانتقالية :
١- التهيئة والتحضير للانتخابات المبكرة ، بعد استكمال المستلزمات المطلوبة لذلك وحسم كل الاشكالات العالقة  .
٢- امضاء قانون الموازنة باسرع وقت ممكن .
٣- امضاء تنفيذ المشاريع الاستثمارية والتنموية المدرجة ضمن الخطة السنوية   .
٤- السهر على حفظ الامن والنظام .
٥- تمشية امور البلاد الروتينية الأخرى ، وفق الانظمة والقوانين النافذة .
فإن نجحت الحكومة الانتقالية بإنجاز مهامها المشار اليها آنفاً ، فانها ستكون قد هيأت الظروف المناسبة للحكومة المقبلة لكي تنطلق على ارضية جيدة ، تمكنها من تنفيذ برنامجها الذي ينبغي ان يكون مدعوما من قبل الكتل السياسية ومجلس النواب وساحات التظاهر  .

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام