سالم مشكور
19/01/2020
كما في باقي الأمور، انقسمنا -نحن العراقيين- الى فريقين متشاتمين بشأن مذكرة التفاهم العراقية الصينية، مع أن أغلب المؤيدين لها والمعارضين لم يطلعوا على تفاصيلها. كلا الفريقين يريد مصلحة العراق، لا شك في ذلك، لكن التعبير عن هذه الإرادة يحتاج الى الدقة وتحكيم المنطق وليس الانسياق وراء الاتهامات، بعيدا عما إذا كان هذا الطرف الخارجي معها أو ذلك ضدها وهو أمر موجود بالفعل بعدما تحولت بلدنا الى ساحة تفاعلات وصراعات نفوذ دولي. الصين في طريقها الى أن تصبح القطب العالمي الثاني الذي يحل محل الاتحاد السوفيتي مقابل الولايات المتحدة التي يؤرقها حلم التنّين الصيني الساعي الى هيمنة عالمية بواسطة الاقتصاد والقروض ضمن ما يسميّه البعض "دبلوماسية فخ الديون". يقولون انها طبقته في دول أخرى أغلبها افريقية، وانتهت باستيلاء الصين على موانئ ومشاريع حيوية نتيجة عجز الدول عن السداد، فضلا عن ربط مواقف وسياسات بعضها بمصالح بكين مقابل تأجيل أو إعادة جدولة الديون. لكن نفس هذه السياسة تتبعها واشنطن عبر تشجيع الدول على الاستدانة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبفوائد تأكل موارها المالية فتجعل الدول غير قادرة على تنفيذ سياسات تنموية، وتظل تابعة لمواقف وسياسات واشنطن. غير الأدلّة العملية الكثيرة في العالم على ذلك، فان ما ذكره جون بيركنز في كتابة "الاغتيال الاقتصادي" اعترافات صريحة مع مصاديق قائمة، وهو الذي كان يعمل ضمن احدى المؤسسات التي تسهل الإقراض وتكبيل الدول النامية. نعود الى الاتفاق-وليست الاتفاقية- بين العراق والصين. من يدافع عنه ينطلق من حقيقة أن العراق لا يمكن أن يبنى الّا بمشاريع مع شركات عالمية تأخذ أجورها نفطاً. بعض من يعارض الاتفاق يستند فقط الى تأييده من قبل أطراف يشك في تبعيتها السياسة. في المقابل، يستند كثير من المعارضين للاتفاق، الى مخاوفهم من سياسة الاستحواذ الاقتصادي الصيني التي تجرّ الى تكبيل سياسي، فيما يشكك آخرون بالاتفاق انطلاقاً من عدم ثقتهم بأي مشروع تتبناه الحكومة، فيما آخرون يعارضونه لأنهم يرونه إحدى محطات التنافس الصيني الأميركي . لقد جرّبنا أكثر من ستة عشر عاماً من الانفاق الضخم الذي يأكله الفساد والروتين وتضارب القوانين وقبلها غياب الضمير في أكثر مفاصل العمل. العراق بحاجة الى مشاريع ضخمة للبنى التحية وتلك المولّدة لفرص العمل، وهي تكلّف عشرات المليارات التي لا يمكن أن تتوفر يوماً في ظل الجهاز الوظيفي الذي يأكل أغلب عائدات النفط، مصدرنا شبه الوحيد للدخل. لا يبنى العراق الّا باتفاقات ضخمة وسداد بالنفط مباشرة. قد لا نكون دولة نامية قليلة الموارد حتى نصل الى مصير تلك التي انهارت بسبب القروض، لكننا قد نصل الى ذلك اذا لم ندقق في تفاصيل الاتفاقات، وتوفير ضمانات لحقوقنا وسيادتنا، فالشيطان – كما يقال- يكمن في التفاصيل.
16/1/2019
حشدٌ للإعمار
تنزيل التطبيق
تابعونا على
الأشتراك في القائمة البريدية
Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group