آراء


عبدالزهرة الهنداوي

محركات المشهد العراقي .. وتقاطع الاتجاهات

28/12/2019

من الواضح جدا ، ان العراق اليوم يمر في أتون ازمة ليست سهلة ، وهي ليست الاولى بطبيعة الحال ، ذلك ، ان ازماتنا تتناسل وتتواصل في حركة جيلية ممتدة  ، فما ان نخرج من واحدة ، حتى ندخل في اخرى جديدة ، قد تفوق سابقتها  في الشدة وتختلف عنها في الاتجاه .. واذا اردنا ان نستعرض سلسلة الازمات التي تركت أثارها في واقعنا العراقي ، فسنحتاج الى مساحات واسعة من الورق واعداد كبيرة من الاقلام لتدوين التفاصيل ، ولكن حسبنا في ذلك ان للتاريخ قلم ولسان ، لن يهمل شاردة او واردة الا ودونها في اسفاره ، صغيرها وكبيرها ، بصرف النظر  عمّن يتولى عملية التدوين التاريخية هذه ، فقد يعمد المدونون الى رسم مسارات تختلف عن وجهات الأحداث  الحقيقية ، ولذلك ، فقد اختلفنا كثيرا  واعتركنا ، وتباعدنا بُعد المشرقين ، ولعل واحد من اهم اسباب استمرار رزوحنا تحت نير الازمات ، هو التدوين المزور لمجريات التاريخ  ، فحادثة واحدة تردنا بأشكال وروايات متقاطعة فيما بينها بنسبة ١٨٠ درجة ، لنبقى بين هذه الرواية وتلك الرواية ، متقاتلين متصارعين ، في حلبة صراع ، تشبه الى حد كبير حلبات مصارعة الثيران ، التي غالبا ما تنتهي بانهاك الاثنين وخوارهما ، مع فرحة عارمة لصاحب الثور الذي تمكن ثوره من دحر  ثور الطرف الاخر  !!!
المهم ، نعود الى ازمتنا الراهنة ذات الرؤوس والابعاد المتعددة ، وهي بلا شك لها جذور وامتدادات تعود الى طبقات زمنية سحيقة ، واذا اردنا ان نتجاوز  بعضا من تلك الطبقات ، فاننا نكتفي بطبقة ٢٠٠٣ ، اي مرحلة مابعد سقوط النظام السابق ، الذي كان عبارة عن ازمة مستمرة ، فبعد مرحلة التغيير الذي كان العراقيون ينتظرونه بصبر فارغ ، جرت مسارات الاحداث بنحو لايتماهى وحجم الحلم الكبير الذي كان يعيشه الناس يوم ذاك ، فكان التاسيس خاطئا ، لانه استند الى اسس غير صحيحة ، لذلك ولدت العملية السياسية وهي تعاني الكثير من التشوهات التأسيسية ، كان بالامكان معالجتها قبل استفحالها ، ولكن وجود محركات كثيرة ومختلفة الاتجاهات ، جعلت من مهمة المعالجة صعبة ، ان لم تكن مستحيلة .. فقد كان بالامكان تعديل  الدستور ، الذي كُتب في ظروف لم تكن مثالية ، لبدتها غيوم فقدان الثقة بين الاطراف التي اعدت هذا الدستور ، ولو جرى التعديل الدستوري الذي تضمنه المطلوب  ، لوقانا الكثير من الاشكالات والمشاكل التي نحترق باتونها اليوم ، وليت الامر اقتصر على الدستور وتعديلاته ، انما واجه البلد ، مشاكل متفاقمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها ، فكنّا امام جملة من المشاكل التي القت بظلال قاتمة على المشهد برمته ، لدينا مشاكل في الخدمات ، لدينا بطالة ، لدينا نسب فقر مرتفعة ، لدينا مشاكل في الصناعة والزراعة والسياحة والنقل والتجارة والصحة والتعليم والسكن ، لدينا عشوائيات ، لدينا مشاكل في التوظيف ، لدينا فساد ، وبالتأكيد ان مجتمعا يتعرض لكل هذه المشاكل ستُصاب منظومته القيمية بفايروس فقدان المناعة !!، ونتيجة لذلك فقد بدأنا نشهد ظهور مشاكل اخرى من نوع مختلف ، فلأول مرة ، نشاهد سلوكا شعبيا دمويا غير مسبوق ، ونشير هنا إلى ما حدث في ساحة الوثبة وسط بغداد العاصمة التي ينبغي ان تكون مدينة للسلام والوئام ، كما هو اسمها ..
تفاقم المشاكل هذا ، أوصل  الناس الى حالة من اليأس والاحباط  ، وانقطاع الامل بحدوث التغيير ، ولهذا جاء الحراك الشعبي الواسع متمظهرا ، بالتظاهرات الواسعة التي شهدتها بغداد وعدد من المحافظات ، في محاولة ، لايقاف التداعي واعادة ضبط بوصلة الحياة في العراقي بالاتجاه الصحيح ، فكان من نتاج هذا الحراك الشعبي الفاعل ، تحقيق خطوات مهمة على طريق التصحيح ، ومن اهم ماتحقق هو استقالة الحكومة ، وهذه سابقة تحدث لاول مرة في العراق ، ان تستقيل الحكومة نتيجة لضغط الشعب ، من دون دبابات ولا بيان رقم ١ ..
الا ، ان المشكلة ، وكما جرت عليه احوال العراق سابقا ولاحقا ، ان هناك عدد من المحركات الداخلية والخارجية بدأت تسعى لسحب الحراك الشعبي باتجاهات مختلفة ، حسب اتجاه تلك المحركات ، الامر الذي من شأنه ان يضعف  هذا الحراك ويجرده  من قوته التي استطاع من خلالها رسم  ملامح خريطة  جديدة للحياة في البلد .. وليس بخافٍ على احد ان المحركات التي نشير اليها ، قد تكون ثلاثة او اكثر ، ومنها ، محرك القوى السياسية بجميع مسمياتها ، داخل البرلمان وخارجه ، وهذه القوى دائمة الخلاف والاختلاف ، ثم يأتي المحرك الخارجي ، المتمثل بالصراعات بين القوى الاقليمية والدولية ، ومحاولة كل قوة من تلك القوى الاستحواذ على المساحة الاكبر من مساحة الصراع ، وقطعا ان قوة وضعف التأثير الخارجي يستند ويعتمد بالاساس على الوضع داخل البلد ، فلو كنّا كالبنيان المرصوص يشد بعضنا بعضاً ، لاغلقنا اي نافذة يمكن الدخول عبرها ..
وهنا يأتي دور المحرك الثالث ، وهو الاهم والاقوى تأثيرا ، واعني به الشعب الذي بامكانه ان يمسك الزمام ويغلق النوافذ ، ويقود المركبة بامان نحو بر الأمان ، وهذا الذي يجري الان ..
المهم ، اليوم ، ان يتوحد دوران المحركات الداخلية باتجاه واحد ، لكي تتضاعف قوة الدفع وتمضي قاطرة الوطن بقوة ، صوب محطة تحقيق الامال واصلاح الحال ..
عدا ذلك ، فان اختلاف اتجاهات المحركات الداخلية يضعف قوة عزمها ، ويوفر المساحة المناسبة للمحركات الخارجية لتملأ المساحة بالكامل ، ومعنى هذا استمرار الأزمة، بمحركات خارجية تأخذنا بعيدا عن تصحيح مسارات الواقع ..

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام