آراء


مازن الزيدي

من سيدفن الاتفاقية العراقية الاميركية؟

02/09/2019

بعد مفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الافغانية، استمرت أكثر من تسعة اشهر برعاية قطرية، كشف يوم امس عن مسوّدة الاتفاق التي ترسم خارطة طريقة واضحة ودقيقة لانهاء الوجود الاميركي في بلاد الافغان.
ورغم ان الاتفاقية مازالت مجرد "مسوّدة"، لكنها تكشف عن مراحل متقدمة من التفاهم بين واشنطن وطالبان، بوصفهما القوتين الاكثر تأثيرا في مجريات الاحداث الافغانية منذ العام 2002.
وتنص بنود الاتفاقية، على انسحاب اميركي كامل، يشمل العسكر والمستشارين والمقاولين، بدون قيد او شرط خلال فترة أقصاها 14 شهراً من توقيع الاتفاقية بشكل رسمي.
لكن الأهم من كل ذلك، هو بند الضمانات والضامن الدولي لتنفيذ الاتفاق والإشراف على تطبيقه، والذي جاء بذكاء افغاني ملحوظ لإشراك قوى دولية وعواصم إقليمية مؤثرة لمنع تفرد الولايات المتحدة بالتفسير الانتقائي لذلك لاحقا.
ففي البند 11 من المسوّدة، تنصّ الاتفاقية على ان تطبيقها سيتم بضمانة ممثلين عن: الامم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وروسيا الاتحادية، والصين، وقطر الراعية للاتفاق. وقد حددت المسوّدة اسماء ممثل الطرف الافغاني الذي يمثله الملا عبدالغني برادر، المعاون السياسي للإمارة الإسلامية، بالاضافة الى مايك بومبيو وزير الخارجية الاميركية، وضمير كابلوف ممثلا عن روسيا، وسينغ شيجون عن الجانب الصيني، ومطلك القحطاني ممثلا عن الجانب القطري.
وللعم فان مسودة الاتفاقية بين طالبان والولايات المتحدة لا تتضمن سوى 11 بنداً تتسم بالدقة والوضوح في الأهداف والآليات والتواريخ وتركز على انسحاب الجيش الاميركي وقوات الناتو من دون تفاصيل اخرى.
في مقابل تتضمن الاتفاقية بين العراق وأميركا 30 بنداً بعشرات الموادّ المتشعبة والمتفرعة، تفسح في المحصلة المجال امام بقاء نشاط اميركي امني وعسكري حتى بعد اتمام الانسحاب. كما تتضمن الاتفاقية بنودا عائمة وعامة (م 4، 6، 7، 9، 13، 22، 24، 25، 26)، ابقت الباب مشرعاً لعودة القوات الاميركية مرة اخرى، وهو ما حصل عام 2014.
الى جانب إغلاق الباب امام بقاء النفوذ الأميركي او العودة لاحقاً تحت اي ذريعة، فإن الذكاء الافغاني تجلّى بإشراك اطراف دولية فاعلية ومؤثرة كروسيا والصين بالإضافة الى الامم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، وهو ما يعني سحب احتكار ورقة الاتفاقية وتفسيراتها من اليد الأميركية، والذهاب نحو إشراك أقطاب دولية في الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق.
أما على الجانب العراقي، الطرف الأضعف حينها بطبيعة الحال، فإنه فوّت بشكل مؤسف فرصة إشراك أطراف دولية في الاشراف على الاتفاقية التي بقيت ثنائية، بعكس نظيرتها الافغانية التي ستكون مصدقة من قبل المنظمة الدولية ومنظمة التعاون الاسلامي.
فعندما قبل الطرف العراقي بأن تكون الاتفاقية ثنائية، فإنه يكون قد سلّم بشكل واعي او غير واعي مسؤولية تنفيذ وتفسير الاتفاقية بيد الطرف الاخر، الذي هو الأقوى والأعلى. وهذا يمثل خرق اخر لشرط التكافؤ في ابرام الاتفاقيات بما يضمن إلتزام الطرفين بها.
الحديث عن التنصل الاميركي من الالتزام بالاتفاقية والتفسير المزاجي لبنودها ليس موقفا ايدلوجيا او عقدة فكرية لدى الكاتب. فقد واجهت الحكومة العراقية عام 2014 هذا التنصل، عندما رفضت واشنطن طلب رئيس الوزراء نوري المالكي بتنفيذ ضربات ضد معسكرات داعش في الصحراء الغربية قرب الحدود السورية.
وتكرّر الاشكال ذاته لاحقاً بعد احتلال تنظيم داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى لمدينة الموصل واندفاعها باتجاه محافظات اخرى، فقد رفضت ادارة اوباما الايفاء بالمادة (الرابعة / 1) التي تلزم اميركا حماية العراق من اي اعتداء خارجي. اذ اصرّت الادارة الاميركية على اعتبار تهديد داعش بانه مجرد صراع سياسي يجب ان يحلّ برحيل المالكي نفسه وتنازله عن رئاسة الوزراء.
لم يقتصر التنصل الاميركي على الحالتين أعلاه، فقد تكرر هذه الأيام، بعد العدوان الاسرائيلي على المجال الجوي العراقي باستهداف ثكنات عسكرية تابعة للحشد الشعبي.
فعلى الرغم من سيطرة الولايات المتحدة، عبر قيادتها لعمليات التحالف الدولي ضد داعش، على كامل الاجواء العراقية وامتلاكها القدرات الفنية واللوجستية لمراقبة ورصد أيّ طيران غريب، لكنها لم تف ايضا بالتزامها القانوني على ضوء ما تنص عليه الاتفاقية.
والسبب واضح لمن يتساءل ويجهل ذلك. فواشنطن هي الضامن الوحيد لتطبيق الاتفاقية، وهي الطرف الوحيد الذي يمتلك أحقية تفسير بنودها، وما على الحكومة العراقية سوى الرضوخ والقبول بما تقوله واشنطن.
ان سيرة التنصل الاميركي المتواصلة عن تنفيذ نصوص الاتفاقية يدعونا للتساؤل عن ضرورة بقاء العراق طرفاً في اتفاق لايرى الطرف الاخر قوة تفرض عليه الالتزام ببنوده.
بفضل ذكائهم، الذي تجلى ببنود مسوّدة الاتفاقية، بات الأفغان امام طي كامل وحقيقي للتواجد الأميركي والاعتماد على جهوده الذاتية في سدّ الثغرات. أما العراقيون فسيبقون تحت الهيمنة التي تشرعنها اتفاقية لايلتزم بها الطرف الاخر، ويفسرها بطريقته الخاصة.
اليوم بات واضحاً امام العراقيين ان وجود مثل هكذا اتفاقية هو الذي يقف تقف عائقاً امام استعادة العراق لسيادته على اجوائه، وتمنعه من شراء منظومات تساعده على ردع اسرائيل عن تحويل اراضيه الى ساحة حرب مع ايران.
البرلمان العراقي مطالب بطرح الاتفاقية على المناقشة العامة والشفافة بعيداً عن وعود ووعيد السفارة وجيوشها.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام