آراء


حسين العادلي

انقسام الحكم أم تقاسمه

21/11/2018

حسين العادلي
• تقاسم الحكم طبيعي في الأنظمة الديمقراطية، فالأحزاب التي فازت انتخابياً تشكّل الحكومة استناداً إلى أغلبية برلمانية حاكمة وأقلية مُعارِضة، وتتقاسم أحزاب الأغلبية الحكومة وفقاً لحجومها البرلمانية والإتفاقات السياسية. أمّا الغير طبيعي فهو انقسام الحكم الذي تُنتجه الأنظمة التوافقية العرقطائفية التي تشتغل على وفق مبادىء: المكوّن، الشراكة، التوازن، والمحاصصة لتقاسم الدولة (سلطة وثروة وسيادة) على عدد المكوّنات المجتمعية للدولة.
• أخطر ما تعانيه الدول هو انقسام الحكم فيها، فالدولة كيان سيادي لسلطات حكم متناغمة وتكاملية تبقى بالوحدة وتتجذّر بالهيمنة وتترسخ بالعلوية، ومتى ما فقدت الدولة وحدة سلطاتها وواحدية فعلها وأحدية هيمنتها فستتشظى وتتحوّل إلى مجمّع سلّطات بعدد مراكز القوى السياسية المجتمعية فيها.  
• يقوم الحكم في الدولة الديمقراطية على غَلبَة الأغلبية السياسية البرلمانية، فالغَلَبة هنا هي التي تؤسِّس للحكم وتشرعّنه. ولاستمرار الدولة فلابد من أن تتفرّد سلطات الحكم فيها بالوحدة والقوة لممارسة هيمنتها،.. نعم هيمنتها، فالدولة كيان سلطات مُهيمن بشرعية القانون وقوة المؤسسات واحتكار العنف الشرعي،.. الدولة امبراطورية قوانين ومملكة مؤسسات وهرم سياقات تقوم بالقوة وتتجذر بالهيمنة وتترسخ بالعلّوية،.. والسلطات هنا مكمن قوتها ومظهر هيمنتها.
• تتطور الدولة بتطور السلطات، وتتطور السلطات بتطور القوانين والمؤسسات، وتتطور السلطات أيضاً بتطور الحياة السياسية التي تنتجها الأحزاب، وتتطور الأحزاب عندما تتحول إلى مؤسسات سياسية تعتمد قيم الدولة الحديثة وتغادر الشمولية أو التمثيل الجهوي الضيّق للمجتمعيات الفرعية. 
• يكمن تقاسم أو انقسام السلطة بأمرين: معادلة الحكم وقوى الحكم،.. معادلة الحكم المرسّخة لعلوية الدولة ووحدة سلطاتها تتمثل بـ: الدولة+الأمة+المؤسسات، وقوى الحكم الفاعلة والمنفعلة بها هنا هي أحزاب دولة تشتغل على وفق قيم الدولة واشتراطاتها من دستور وقوانين ومصالح عامة فتتقاسم الحكم لإدارته على ضوء نتائج انتخابات حرة ونزيهة. أمّا معادلة الحكم المشتتة لوحدة الدولة والمقسّمة لسلطاتها فهي التي تتمثل بمعادلة: السلطة+المكوّن+الحزب، وهي المعادلة التي تشتغل على وفق انقسام السلطة بين القوى الممثلة للمكونات المجتمعية. ويُشرعَن انقسام السلطة هنا من خلال انتخابات هي أقرب ما تكون إلى استفتاءات عرقية طائفية إثنية تتنافس فيها قوى المكوّنات ذاتها للفوز بتمثيل المكوّن المجتمعي وسلطته في الحكم وعلى أساس من كون الدولة تكدس مكوّنات تتقاسم السلطة لإدارة هوياتها ومصالحها الخاصة، وهو ما سينتج عنه بالضرورة انقسام السلطة وتعدّدها، وسيقود بالتبع إلى نواة رخوة للحكم ويؤدي إلى إنقسام الدولة على نفسها.
• بعد الخلاص من نظام صدام الشمولي في 2003م، اعتمدت الأعم الأغلب من الأحزاب (توافقياً) مبدأ إنقسام الحكم بدل تقاسمه استناداً لمبدأ حكم المكونات، خلافاً حتى للدستور المُقر في 15/10/2005م، فنتجت لدينا أزمة الحكم على مستوى وحدة نواته وقراراته، وحال ذلك دون تكوين نواة صلبة للدولة، وصادر قوة الحسم اللازمة لفعل السلطة، وهذه هي إحدى أخطر سلبيات التوافق المكوناتي (العرقطائفي) كونه يصادر الحسم اللازم لفعل الدولة السلطوي.
• لا ينجح نموذج الدولة التي تشهد انقسام الحكم فيها ولن يستمر، فالدولة تستمر بوحدة وعلّوية وهيمنة سلطات الحكم المعبِّرة بعدالة عن الأمة الوطنية وهويتها ومصالحها الجامعة، ومَن أراد الإصلاح الجاد فعليه مغادرة انقسام الحكم إلى تقاسمه.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام