آراء


د.رمضان محمد

العراق في لحظة مفصلية من تاريخه المائي!

28/05/2025

إذا لم تعالج الازمات المائية، فسيتم ترييف المدن العراقية، وتبدأ تسليع الخدمات العامة مما يخلق بيئة لتفكك اجتماعي ومشروع لخضوع البلاد لدول التشارك المائي.
منذ مطلع الثمانينيات، شرعت دول المنبع في تغيير وجهها للعراق بعد دخولها في حروب استمرت لأكثر من عقد من الزمن تلاها حصار دولي جائر على البلاد، وهذا الامر لم يكن مجرد تحوّل في السياسة المائية تجاه العراق، بل كان أكثر من ذلك بكثير. فالعراق تحول من دولة وطنية شمولية متدخلة في كل مفاصل الاقتصاد والمجتمع حتى عام 2003 تحولت إلى دولة تقود التحوّل نحو السوق،لكنها لا تتنازل عن أدوات التحكم والسطوة،بل تعيد توظيفها حسب ما يستجد على الساحة الدولية والاقليمية، وشيئاً فشيئاً لم تعد الأولوية للعمل والعدالة الاجتماعية أو التوازن بين مكونات البلاد،بل للاستثمار الذي لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض والعام 2025 يبدو انه نقطة ولحظة تحوّل حاسمة في هذا المسار،حيث يمرُ العراق حالياً في لحظة مفصلية من تاريخها المائي، إذ دشّنت دول المنبع جميع مشاريعها الخزنية في حوضي نهري دجلة والفرات هذه السياسات التي ارتكزت على تقليص التصاريف المائية الى العراق كدولة مصب،بينما في المقابل العراق توجه نحو سياسة تقليص الدعم لقطاع الزراعة والري، وعملت على تشجيع الخصخصة لم تعد للدولة العراقية دوراً فاعلاً ومحورياً في إدارة مواردها المائية،بل أصبحت في موقع تلقي ما تقرره دولتي المنبع اللتان قامتا يضبط قواعد اللعبة لصالح سوق صادراتهم الى العراق والاستحواذ على الاقتصاد العراقي خاصة من خلال تجارة"المياه الافتراضية". هذه الحقائق انكشفت بوضوح،وتحوّلت التناقضات البنيوية في العراق إلى أزمات مائية وبيئية واجتماعية واقتصادية متفاقمة،رافقها تصاعد في مظاهر التهميش والتفاوت للأرض والحرث.مما بدأت ترسم ملامح خيبات أمل كبيرة لمستقبل العراق المائي والغذائي. الخبز أصبح أغلى، والوظيفة صارت حلماً بعيد المنال، والتعليم لم يعد بوابة للترقية والتطوير.في المقابل وُلدت طبقة جديدة، جمعت بين القدرة الاقتصادية والقرب من دوائر القرار،وأصبحت واجهة الدولة والحكومة والتحكم في إدارة مواردنا المائية وهي لا تعكس اية إنجازات وطنية بل إعادة لإنتاج الامتيازات الخاصة، واصحبت الدولة بعيدة عن تقاسم المكاسب، بل تحولت الى موقع لتوزيع الفرص ولكن بتفاوت حادّ وفق شبكات المصالح الخاصة بهم وبعيدة كل البعد عن مصلحة الدولة والمجتمع.لذلك وفي ظل هذه الازمات المائية التي تتفاقم يوماً بعد يوم يتطلب إعادة هندسة دقيقة لموازين القوى في البلد لتصحيح المسار وتعزيز التنميةقبل ان تُفرغ سياسات الدولة من بعدها الاجتماعي والاقتصادي،وتتحوّل الدولة إلى وسيط بين مصالح رأس المال المحلي والاجنبي ويكون همها الأول والأخير هو تأمين وضمان الأرباح
اليوم،نحن أمام مأساة إنسانية يواجهها العراق بسبب النقص الشديد في الواردات المائية من تركيا وإيران وتطرف مناخي يسبب موجات من الجفاف والسيول وأكثر من عشرون عاماً تتوالى الحكومات على عرش السلطة دون انجاز يذكر هنا علينا أن نبدأ وبجدية الحرص على مصلحة الوطن والخوف من ضياعه من مراجعة لهذا الواقع المأساوي واجابة السؤال الوجودي، هل ترك الملف المائي بهذا الحال يبدو مشروعاً لخدمة دولتي المنبع،واستراتيجية لإعادة إنتاج الهيمنة على البلاد؟وهل يمكن فهم ما يجرى كسياسات لإدارة المتوفر من الموارد المائية وإلغاء المواسم الزراعية كبديل لحلحة الازمات المائية،أم يتطلب من الحكومة والدولة والمجتمع إعادة تشكيل معمّقة للعلاقة بين الدولة والمجتمع،ليعيد للانتماء الوطني معنى؟

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام