آراء


هادي جلو مرعي

قمة جدة.. تمنيات كثيرة والمتحقق قليل

16/07/2022

يبدو الرئيس جو بايدن في قمة جدة، وهو في أواخر العمر كالملك المريض الذي عاد للتو من رحلة علاج طويلة ومؤقتا فقط ليوزع ميراث الحكم من بعده بعد أن أبلغه الأطباء إنها أيامه الأخيرة في الحكم والحياة، وبينما يتوسط مجموعة من الحكام الشبان الطامحين والحاقدين في مجموعة دول خليجية وعربية شرق أوسطية كانت شبه مستعمرات له ولحلفائه الغربيين الذين يستعدون للتساقط على رقعة الشطرنج التي يتحلق حولها لاعبون محترفون من شاكلة (انتوني كاربوف وغاري كاسباروف) الذين يجيدان تحريك أصنام اللعبة، فإن المجتمعين معه على شاطئ البحر الأحمر تتوزع عندهم النوايا، فمنهم من يطمح في اعتلاء عرش بلاده، ومنهم من يتوق للتخلص من خصومه، ومنهم من يكاد يتقوى به، ومنهم من يبحث عن دور، ومنهم من يرغب بالمزيد من الدعم لتجاوز المحنة الاقتصادية المتربتة عن تداعيات الحرب في شرق القارة العجوز التي ترتجف من البرد قبل أوانه، ومنهم من فقد الثقة بواشنطن ولم يعد يجد فيها ما كان يعرفه عنها في السابق.

بعض القادة على ضفتي البحر الأحمر بعثوا طلبات الانتماء لمجموعة بريكس الناشئة التي تمثل ثلث اقتصاد العالم، وما يزيد عن ذلك من الإمكانيات البشرية والموارد الغذائية، وهي تضم حالياً روسيا والصين وجنوب افريقيا والبرازيل والهند، والمتوقع أن تنضم إليها السعودية ومصر وإيران وتركيا الجارتان اللتان تستعدان لقمة في طهران الثلاثاء المقبل مع الرئيس فلاديمير بوتين، ولأن دول الخليج بدأت تقرأ الحوادث جيداً فلم تعد القمم، ولا الاتصالات الهاتفية مجرد أوامر كما كانت في السابق، بل هي مفاوضات ومباحثات مصحوبة بابتسامات غربية من شفاه مفتوحة على أمل استمالة قادة يختلفون عن آبائهم وأجدادهم، ولم يعودوا كما يتخيلهم بايدن كحكام العرب في الثمانينيات، فالطموح مختلف، والتحديات أكبر، والشعوب تشبه هولاء الحكام لأنها نشأت وترعرعت معهم على عالم مختلف، ومتنوع، وغير قابل لأن يكون جزءاً من لعبة اللا تغيير على المزاج الغربي.

لم يكن من تسرع خليجي في الموافقة على الرغبات الأوربية، ولا تلك التي أرادتها واشنطن عند اندلاع الحرب الأوكرانية، بل كانت اتصالات دول عربية بموسكو أكثر وضوحا مثل مصر والسعودية والإمارات في حين تبنت دول كالجزائر استراتيجية مستقلة تلاعبت فيها بأعصاب الإسبان والطليان والفرنسيين، ووجهت إمدادات الغاز بما يتلاءم ومزاجها السياسي التقليدي المعروف عن الجزائر التي يستهويها رفع العلم الفلسطيني.

العراق يحضر قمة جدة بخطاب واحد، لكن قراره موزع على جبهات عدة، وتتنازعه من الداخل نوايا مختلفة لا تلتقي إلا بمعجزة في زمن انتهت فيه المعجزات، وبينما تؤكد قمة جدة على تأمين إمدادات الطاقة، فليس من المرجح زيادة الإنتاج بالكيفية التي ترغبها واشنطن وحليفاتها، ولا يمكن الجزم بالطريقة التي ستتعامل بها دول هي اعضاء في أوبك التي يجب أن تتفق مع وجود روسيا العظمى التي تتحضر للرد بطريقة صادمة قد تقفز بالأسعار إلى مستويات قياسية خاصة مع وجود مجازفة غربية لوضع سقف لسعر النفط الروسي في وقت تتهاوى الحكومات الغربية، وتتراجع دول عن العقوبات، وتعلن الخزانة الأمريكية عن رفع العقوبات في بعض الموارد لتخفيف الضغط، بينما تؤكد دول في شرق أوربا إنها لاتوافق على المضي في لعبة العقوبات.

الهدنة في اليمن، والتهدئة مع إسرائيل وأمنها المزعوم، والربط الكهربائي مع العراقي، والحفاظ على ما بقي من لبنان، وتمضية الأمور في سوريا، والضغط من أجل اتفاق نووي مع طهران، واستمالة حلفاء لم يعودوا حلفاء حقيقيين كلها رغبات أمريكية من أجل الإمساك بتلابيب قادة الخليج والعرب، ولكنها محاولات ليست كافية، وسنرى أن كثيراً من المتغيرات ستحدث بعد القمة، وبعد مرور أسابيع عليها، ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، والإصرار الإيراني، والطموحات التركية، وقراءة العرب التي تنبؤهم بعالم متغير لن يكون بمقدور بايدن أن يفخر بكثير من المنجزات على الأرض، لكنه ربما سيبتسم ويسأل مساعديه عن كم البراميل من النفط والأمتار الغازية التي حصل عليها من القمة؟

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام