آراء


حمزة مصطفى

في انتظار "العصاصفة"

25/05/2022

لم يأتِ البرابرة مع إنهم "كانوا جزءاً من الحل" كما يقول قسطنطين كافافي (شاعر يوناني عاش في القرن التاسع عشر) في قصيدته الشهيرة (في انتظار البرابرة). هل كانوا في حالة انسداد سياسي بحيث ينتظروا أي حل وعلى يد أي أحد, أياً كان.

من جهتنا لم نعد ننتظر حلاً. فقد تعايشنا مع الانسداد السياسي. صار جزءاً من حياتنا اليومية المعتادة. جهزنا كل شيء لمواجهة ملابسات هذا الانسداد. نشاهد نشرات الأخبار, نتابع البرامج الحوارية, نتبادل النكات بمن فيها البايخة عبر الهواتف النقالة. نذهب إلى الحلاق حسب المواعيد الثابتة, وإلى أبي المولدة عند رأس كل شهر, وإلى أبي أو أم الحصة التموينية طبقاً لبيانات وزارة التجارة الخالدة. لا يهم أن يقل الخزين الاستراتيجي. غداً تنتهي حرب أوكرانيا ولن يقصر فخامة الرئيس زيلينسكي حفظه الله ورعاه. أما الماء ومشاكلنا الحصصية مع تركيا وإيران فهذه من زمن "دقناووس" لاجديد فيها. إذن نعبرها. لدينا ماهو أهم. وهل هناك أهم من جفاف بحيرة ساوة وعبور نهر دجلة مشياً على الأقدام.

لا تصدقوا ذلك فهذه جزء من نظرية المؤامرة. هكذا تقول وزارة الموارد المائية. ليس الوزارة فقط, بل مواطن يعشق أغنية (على شواطي دجلة أمر) يرى أن علينا أن نخجل من الجواهري. الم يقل الرجل ( يادجلة الخير يا نبعا أفارقه على الكراهة بين الحين والحين). هذا المواطن نفسه عاشق أيضا لأغنية (عبرت الشط على مودك) يقول إن بحيرة ساوة عادت مثلما كانت تروى عنها الأساطير بشأن مياهها التي لا تروي العطشان فقط بل تداوي كل أنواع الأمراض الجلدية (يعني طلعت مو مياه جوفية.. الحمد لله لم ننضرب بوري).

هل نبقى في حالة انتظار حسب نظرية كفافي؟ ننتظر ماذا طالما أن الانسداد السياسي صار جزءاً من حالتنا الستاتيكية. نحن نعيش يومنا. نفطر على عجل, ننام في الشوارع وقد ربطنا الأحزمة حسب تعليمات مديرية المرور. نتابع عبر الراديو وقوفاً طوابير تتلو طوابير أخبار الحوادث المرورية في شوارع موتنا اليومي التي ضحاياها يومياً أكثر من معركة "خارديف" في أوكرانيا. ولأن العواصف صارت زائراً يومياً لنا فقد أصحبنا رهائن توقعات صادق عطية المتنبئ الجوي وقرار الأمانة العامة لمجلس الوزراء في إمكانية تعطيل الدوام الرسمي بسبب انعدام الرؤية في اليوم التالي. مثل المبادرات بدأت تأتي العواصف أو العاصفات أو بالمقارنة مع البرابرة العصاصفة. العواصف أو العاصفات أو العصاصفة صارت جزءاً من المشكلة بوصفها حلاً ومن الحل بوصفه مشكلة. نحن أعتدنا أن نمشكل الحل أو نحلحل المشكلة.

الانسداد والعاصفة يمشيان معاً. ننام على انسداد ونصحو على عاصفة ترابية أو غبارية. الانسداد محظوظ. لم يعد يسألني مواطن في الشارع (شايفني بالتلفزيون) متى تتشكل الحكومة بل .. الا ترى أستاذ أن هذه العواصف ابتلاء من رب العالمين لأننا كذا وكيت ويأتي بدربه إلى المثليين وجدري القرود. بالمناسبة حتى كافافي كان مثلياً كما تقول سيرته الذاتية. يعني من جماعة جوجو. حقه المواطن. حين أجيب هذا المواطن بوصفي مواطن موضوعي قائلاً إن العواصف تأتينا من خارج الحدود هذه المرة.. يعبس في وجهي وكأني أنا قاتل .. جورج فلويد.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام