آراء


حمزة مصطفى

الفارابي يعزف في سوق الصفافير

22/12/2021


تكاد تحمل كل أحياء وشوارع وساحات العاصمة بغداد إسمين أو ثلاثة على الأقل طبقا للعهود والأنظمة السياسية التي مرت على العراق طوال 100 عام من عمر دولتنا التي إحتفلنا قبل أيام بمئويتها الأولى. وبصرف النظر عن إختلاف التسميات والمسميات حسب الأهواء والأذواق لهذا النظام أو العهد أو ذاك فإن كل هذه الأحياء والشوارع والساحات بل وحتى الأزقة تحمل دائما وأبدا وستبقى الإسم الأول لها طبقا لنظرية أبي تمام "ما الحب الأ للحبيب الأول". لو أردت عرض إحصائية هنا للأحياء والشوارع والمدن والساحات والأزقة في بغداد حصرا لأحتجت الى موسوعة لا مقال حيزه محدود في صحيفة يومية.
كل قارئ لهذا المقال سوف يكون في ذهنه عدة أحياء وشوارع وساحات وأزقة تغيرت تسمياتها عدة مرات طوال نصف 60 سنة من عمر العراق الحديث. فالأنظمة التي تلت العهد الملكي الذي كان مستقرا في سلوكه وتسمياته طوال 38 عاما كانت كلها دون إستثناء " كورها وكور" الشوارع والساحات والأحياء. هذا الأمر أدى الى أن تتزاحم الأسماء على العشرات من الأحياء والشوارع والساحات لأن كل عهد يريد أن يخلد الحاكم أو الزعيم أو الرئيس أو القائد. 
ولأن الأنظمة التي تلت الملكية لاتعمر طويلا في العادة فإن النظام الذي يأتي يغير أحيانا بالجملة تسميات الشوارع والساحات والأحياء والأزقة الإ مارحم ربي أويتم  نسيانه أو ربما هناك رمز تتفق عليه كل تلك الأنظمة وهو نادر في كل الأحوال. لم يختلف نظام مابعد عام 2003 عما قبله من عهود وأنظمة في فلسفة تغيير المشاهد والشواهد. فعلى مدى الثمانية عشر عاما الماضية كانت ومازالت له صولات وجولات في تغيير الأسماء والمسميات مع علم  الجميع أن الذاكرة الشعبية الجمعية تبقى تحتفظ إما بالأسم الأول أو الأسم  الأكثر شهرة.
ومع ما أشرنا اليه من عمليات التبديل والتغيير فإن هناك أسماء تبقى فوق الميول والإتجاهات بشكل من الأشكال في الأقل. من بين هذه الأسماء فضلا عن المتنبي الذي يعاد الآن تأهيل شارعه الشهير المتفرع من شارع الرشيد هناك الفارابي الفيلسوف والرياضي والطبيب والموسيقي صاحب كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة". الرشيد هو الآخر بقي مثل المنصور الذي وإن خضع تمثاله الى عدة محاولات إجتثاث لم تنجح غير قابل للتغيير برغم مرور العديد من الأنظمة والعهود وهذه إحدى الإيجابيات بالتأكيد. لكن مشكلة الفارابي تلفت النظر بسبب إختيار مكان غير مناسب لوضع تمثاله الذي كان نحته النحات الشهير المرحوم إسماعيل فتاح الترك. وللطرفة فإن الشاعر الراحل عبد الرزاق عبد الواحد كان يمازح الترك قائلا   "إسماعيل فتاح الترك .. كلها تماثيله جرك". والحق أن تماثيل الترك تحفا فنية لا"جرك", إذا تحدثنا عن الرصافي وعبد المحسن الكاظمي وأبي نواس وغيرها.
فالتمثال وضع في ساحة شهيرة إسمها "ساحة الوثبة" وفي منطقة مشهورة بإسم حافظ القاضي. فماصلة الفارابي بالمكان حتى لو كان بالمكين كما يقال. فللوثبة رجالها وكان يمكن إختيار أحدهم لتخليده. والأهم ماذا لو أراد الفارابي العزف وهو الموسيقي المعروف .. هل يسمع عزفه أحد لاسيما إنه بالقرب من .. سوق الصفارين؟

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام