آراء

في ذَروة استبشار البعض بطالبان جديدة، براغماتية منفتحة، صدرت أمس قرارات من سلطات محلية في قندهار تابعة لطالبان تمنع ظهور صوت المرأة في الاعلام المرئي والمسموع، كما تم إيقاف مذيعات التلفزيون الرسمي عن العمل. الناطق باسم الحركة قال في حديث تلفزيوني: إن طالبان نضجت تجربتها، لكنه أكد أن التغيير لم يطل الأيديولوجيا إنما أساليب التعبير عنها.
سلوك طالبان وسياساتها محل مراقبة من دول عديدة، بعيدة عنها أو قريبة.  فالموضوع الافغاني ليس محليّاً، وخلال العقود الماضية فإن أغلب حركات الإرهاب الذي يتستر بالإسلام انبثق من أفغانستان الذي ظلت ساحته تفرّخ هذه الحركات المتوالدة ومنها تنطلق الى باقي الدول. 
ورغم التمدد السريع للحركة فور الانسحاب الأميركي، إلّأ انها لم تستطع السيطرة على جميع الأراضي الأفغانية، وفي إقليم بنجشير فان ابن أحمد مسعود الابن، المدعوم فرنسيّاً، يواصل منهج أبيه الذي لم يسلّم للتمدد الطالباني ابان التسعينيات. الخشية لدى الأطراف الخارجية هي أن تعود أفغانستان ساحة للقتال الداخلي الذي يلقي بظلاله على الدول المجاورة وتلك الابعد جغرافياً. الباكستان تخشى أن تؤدي الفوضى الى قيام دولة "بشتونستان" نسبة الى قومية البشتون الموزعة بين أفغانستان (25 مليونا) والباكستان (40 مليونا)، وإيران رغم سعادتها بالانسحاب الأميركي فإنها تخشى ارتباك الوضع الأفغاني بما يساعد في استمرار خطرين عليها هما المخدرات الأفغانية التي تقوم مافيات كبيرة بنقلها الى العالم عبر ايران، وخطر الجماعات السنيّة الإيرانية المعارضة التي تتخذ من أفغانستان قاعدة لها. أما الصين فإنها تخشى عودة الحاضنة الأفغانية للمسلمين الصينيين المتطرفين الناشطين ضد الحكومة الصينية. في السلم الافغاني فان فائدة الصين تتعدى هذا الامر الى طمعها في المعادن الثمينة التي تدخل في صناعة السيارات والبطاريات والالكترونيات، على رأسها الليثيوم والبريليوم والنحاس وهي موجودة بكميات هائلة في الأرض الأفغانية وعليها تعتمد صناعات المستقبل.
لا ينتظر أحد أن تقيم طالبان دولة عصرية، ليس لطبيعة تكوينها فقط انما لطبيعة الشعب الافغاني الذي يعيش 80 % منه في الأرياف في ظل أمية متفشية، لكن طموح الاخرين أن لا تؤدي سياسات طالبان الداخلية الى عودة الحرب الاهلية التي تتداخل فيها الأطراف الخارجية وتعود أفغانستان مفقسة للإرهاب من جديد.