آراء

السياسة  تحتاج  دائما الى برامج، والبرامج تحتاج الى ستراتيجيات، ومن يتغافل عن هذه الحاجات سيجد نفسه أمام مشكلات من الصعب السيطرة على تداعياتها، وأحسب أن معطيات السياسة في الشرق الاوسط هي الأكثر حاجة الى تلك البرامج والسترايجيات، على وفق ماتتطلبه طبيعة المتغيرات السريعة، والاجراءات التي باتت محكومة بعوامل تتجاوز ماهو سائد، فضلا عن علاقتها بطبيعة الاصطفافات السياسية الجديدة في العالم، لاسيما بعد التغيّر الرئاسي في الولايات المتحدة الاميركية.من أكثر تحديات تلك السياسة في المنطقة هي ملفات البرنامج النووي الايراني والحرب في سوريا وفي اليمن، فضلا عن ملف الارهاب والتحديات الاقتصادية والصحية، وعلاقة كلّ ذلك بتحديات لها علاقة بجيوسياسة المصالح الامنية والاقتصادية التي تخص علاقة الغرب واميركا مع الصين وروسيا، فالرئيس بايدن وجد نفسه أمام ملفات معقدة عمل الرئيس السابق ترامب على تمييعها وتسطحيها، والنظر اليها وكأنها جزء من ملفات الهامش..
الهامش المسكوت عنه، بدأ اليوم أكثر تضخما، وربما بات يؤرق بايدن، ويهدد برامجه وستراتيجياته الرئاسية ذات المنحى الليبرالي، إذ حاول أن يُقدّم لها توصيفا “ناعما” هو الاقرب الى الجذر الاخلاقي، لاسيما في تعاطيه وموافقته على نشر تقرير الاستخبارات الاميركية حول جريمة قتل جمال خاشقجي، وإتهام اطراف مهمة داخل المنظومة الامنية والسياسية السعودية بتلك الجريمة.
الرسالة الاميركية في هذا التقرير تحمل أبعادا شتى، بعضها يخص السياسة السعودية، وبعض يلمّح الى الملف الايراني، وبعضه يحمل اشارات سياسية لها علاقة بتوضيح المواقف الاميركية الجديدة التي يسعى بايدن الى اتباعها في منطقة الشرق الاوسط، وكأنه يقول أنه سيتبنى سياسة حيادية تحكمها “القيم الاميركية” كما سمّاها، والتي قد تعني من جانب آخر هو الضغط على أطراف معينة، ومنها دعوته لمعالجة “الأزمة الفلسطينية” وتخفيف الضغط على اسرائيل بعيدا عن كل معطيات التغيير الذي قد يطال المنطقة، وصياغة العلاقات معها، في ضوء متغيرات جديدة، وابرزها الرغبة في فتح الحوار الاميركي الايراني وكشف الغطاء عن سياسة العقوبات المزمنة، والعمل على ايقاف الحرب في اليمن، ومعالجة الوضع في سوريا سياسيا، وابعاد الصين وروسيا عن الاقتراب من مناطق “الاقتصادات الدافئة” في منطقة الخليج، والبحر المتوسط.