آراء


حمزة مصطفى

لماذا نخاف الله والشرطي؟

24/05/2020

تشكلت منذ الصغر منظومتنا التربوية على وفق ثنائية قوامها الخوف من الله    والشرطي والذي كان يخاف مثلنا في صغره الله والشرطي أيضا. العلاقة مع الله ينبغي أن لاتكون علاقة خوف بل خشية. ولعل أكثرنا خشية لله هم العلماء "إنما يخشى الله من عباده العلماء". لكن حتى العلماء من مجتمعنا في طفولتهم كانوا يخافون الله والشرطي معا. عندما كبروا بدأوا يخشون الله ولا يخافون الشرطي المغلوب على أمره في الغالب. كيف تكونت ثنائية الخوف هذه؟ حين كنا صغارا كانت عوائلنا حين نكون " وكحين" تخوفنا بالله لجهة العقوبة الأقصى وهي إدخالنا بالنار. الأم أو الأخت الكبيرة كثيرا ماتقول للطفل "لاتعمل كذا تره الله يذبك بالنار". وحيث أن العلاقة ملتبسة بين وعي الطفل الفطري وبين الله والنار وكيف تكونت هذه العلاقة الوظيفية بينهما فإن الطفل غالبا مايضطر الى الصمت خوفا لا إقتناعا.
وأحيانا قد لايخاف لا من الله ولا من النار لأنه لايستطيع إدراك الصلة فإن مسار التخويف ينتقل الى مجال آخر وهو الشرطي. فالأم أو الأخت الكبيرة غالبا ماتنهر الطفل قائلة له "أسكت تره الشرطة يجون ياخذوك". ولأن فكرة الطفل عن الشرطي أكثروضوحا عن فكرته عن الله الذي لايبدو له في العرف المجتمعي سوى مالك لنار يعاقب فيها "الوكحين" وبالتالي تبقى تجريدية, فإن العلاقة مع الشرطي أقرب بكثير من مدركاته وبالتالي فإن العلاقة معه حسية, عيانية. فالطفل كثيرا ما يشاهد دوريات الشرطة في الشوارع بدء من شرطي المرور الى النجدة الى الشرطي  المحلي. 
لا أعرف إن كان في باقي المجتمعات ومنها أوربا التي كثيرا مانضعها مثلا أعلى قبل "دكتهم الناقصة" برفع علم المثليين في بلادنا قبل أيام هل تبنى العلاقة الأولى في البيت بين الطفل والمجتمع على ثنائية الخوف هذه وقوامها "صير عاقل والإ .. الله يذبك بالنار أو يأتيك الشرطي". شخصيا لا أتوقع نمطا تعليميا من هذا النوع  لديهم. المعلومات تقول علاقاتهم مفتوحة منذ البداية ليس فيها خوف من الله أو تخويف من الشرطي. ماذا أنتجت العلاقة المفتوحة هذه مقابل علاقتنا المغلقة؟ 
المعلومات تقول إن الولد أو البنت حين يبلغ من العمر 16 عاما أو 18 لا أعرف على وجه الدقة يتحرر تماما من قيد العائلة وسلطة الأب والأم. الأبن يأتي بصديقته  الى البيت والإبنة قد لاتعود للمنزل لأنها اليوم تبات في بيت صديقها وربما تكتفي برسالة "أس أم أس" الى أمها أوأبيها تخبرهم مجرد إخبار. الآن ربما تطور الأمر الى سلوك من نوع آخر قوامه البنت تقضي ليلتها مع  البنت والولد يقضي  علاقته مع الولد. اللعب صار على المكشوف والجماعة "صار لهم علم" وربما غدا  "دستور ومجلس أمة". 
من منا الأصح؟ هل نحن الذين قضينا عمرنا نخاف الله والشرطي أم أؤلئك  الذين يعيشون في عالم مفتوح تبدو فيه العلاقة جيدة بين الإثنين .. الله والشرطي؟ 
في تقديري الأمر  يتوقف على طريقة إستيعابنا نحن أبناء مجتمعنا المحافظ والمبني على قيم دينية صارمة بصرف النظر عن قناعة هذا أو ذاك بها لأغراض التزمت أو الإنفتاح وبين أبناء ذلك المجتمع المفتوح والذي أصبحت فيه "المثلية" سلوك طبيعي ومعلن ولا غضاضة فيه. حين كبرنا عرفنا الله والشرطي معا. ربما تطورت علاقة بعضنا مع الله الى حد الإنغلاق والتزمت أو إبتعدت الى حد الإيمان بكل مخرجات مايبدو تطورا أو مدنية. والأمر نفسه مع الشرطي, فربما بنينا علاقة سلطوية مع الشرطي حتى أصبح كل واحد منا شرطي أو نص أو كفرنا بالشرطي لأنه كان مصدر خوفنا مثل الله عند الصغر. 
كلها مقبولة وطبيعية لكن ماصلتها بالمدنية والتطور والتقدم والحرية وحقوق الإنسان بحيث تجد نفسك  في حالة من الإرتباك الشديد وأنت تصطدم بظواهر مجتمعية وسلوكية خطيرة مثل ما يجري الآن ويراد تطبيعه بوصفه مجرد وجهة نظر مقابل نظرة أخرى ترى أن الحل في مواجهة مثل هذه الظواهر هي أقسى أنواع العقوبات مثل قطع الرؤوس أو الضرب بالبلوك أو ..أو. 
شخصيا لا أخاف الله بل أخشاه, ولا أخشى الشرطي بل "أتجفى شره". لكني على صعيد رؤيتي الإجتماعية فإني أتمنى أن نفك الإشتباك على صعيد هذه العلاقة الملتبسة بين الله والشرطي لأنها في ظل الوعي الجديد لنمط العلاقات الأسرية والمجتمعية بدء من البيت الى المدرسة الى الشارع لم  تعد قائمة على هذه الثنائية. التلفونات والأيبادات في أيدي الصغار حولت الشرطي الى مشهد على "اليوتيوب" لايتطابق مع ذهنيتنا القديمة عنه, وجعلت في مقابل ذلك العلاقة مع الله أكثر تعقيدا لأنها لم تعد قائمة على الخوف وحده .. وعليكم الباقي

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام