آراء


حمزة مصطفى

باشلار يرتشف قهوة حمد

16/05/2020

حين تستقيظ صباحا تجد عدة رسائل مخزونة في ذاكرة هاتفك من زين وآسيا أو هيئة الإعلام والإتصالات تحثك على البقاء في البيت, والسبب كورونا. "خليك بالبيت" هي اللازمة الأكثر تداولا منذ بدء تفشي الوباء من موهان الصينية الى كل بقاع المعمورة. تعقب هذه العبارة جملة من النصائح الروتينية مثل إرتداء القفازات والكفوف, فضلا عن نصائح طبية وهي أكل كميات كافية من البرتقال والزنك ومجموعة الفيتامينات وفي المقدمة منها فيتامين سي الذي طفقت شهرته الآفاق. 
حين ترن على أحدهم يأتيك صوت قبل الرنة يحثك على البقاء في البيت حتى لو كنت متوجها الى فرن الصمون قبل الإفطار أو الى الصيدلية للتزود بما يكفي من مقويات طرأت على حياتنا. الدولة تفرض حظرا للتجوال مرة جزئي ومرة كلي ومرة "نص ونص" وأخيرا زوجي وفردي. كل ذلك بسبب كورونا والهدف منه "خليك بالبيت". تتمرد على البيت فتخرج لتكتشف إنك وحدك كنت محجورا في البيت. وقبل أن تواصل مسيرك الى السوق تتذكر إن خبرا عاجلا وصلك عبر تطبيق "السومرية" يقول أن نجدة بغداد تمكنت من إعتقال 34 شخصا خالفوا حظر التجوال. حين تدخل أقرب مول تجد أكثر من 40 شخصا في هذا المول  فقط. كم مول في بغداد؟ عندك الحساب. لماذا هؤلاء المساكين الـ 34 من دون أكثر من مليوني شخص يتجولون في أحياء بغداد وأزقتها بين راجل وراكض وراكب ومهرول؟ 
ماعلينا, لابد للنجدة فلسفتها التي دونها فلسفة غاستون بلاشار مؤلف كتاب "جماليات المكان"الذي الف كتابه هذا قبل عصر الهواتف المحمولة الذكية منها والغبية ( توفي باشلار عام 1962). وماجماليات المكان سوى محاولة لإعادة إكتشاف البيت من جديد من وجهة نظر فلسفية. لكن إذا كان باشلار حاول إعادة إكتشاف البيت من تلك الزاوية دون أن يجبره أحد حيث لاهاتف محمول يختزل له العالم, فإن وباء كورونا هو الذي أجبرنا على إعادة إكشتاف البيت الذي ما أن ندخله حتى نهرب منه الى مابات يسمى العالم الإفتراضي.
معاناة باشلار فلسفية بحتة يعني "لامحزوز لا ملزوز" حين تفلسف برأسنا وجعلنا طوال العقد الثمانيني وماتلاه نتغزل بهذا الكتاب مثلما تغزلنا بـ "مائة عام من العزلة" للكولومبي غابريال ماركيز و" تقرير الى غريكو" للشاعر اليوناني نيكوس كازانتيس, و" وشخصية مصر , دراسة في عبقرية المكان" لجمال حمدان, وترجمة طه باقر لملحمة كلكامش ومعها هيامنا بقصيدة "بإنتظار البرابرة" لقسطنطين كافافي الذي شغفنا بها ردحا من الزمن مع مقولة النفري "كلما إتسعت الرؤية ضاقت العبارة" ومعها بيت تميم بن مقبل "ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر", أو قصيدة عريان السيد خلف "أدك روحي نذر".  
 رؤى باشلا بشأن البيت ومايحيط به من جماليات بدء من بيت الطفولة ظهرت قبل "طركاعتي الهاتف المحمول وكورونا" إذن, لكن مع ذلك علينا الإحتراس من باشلار. كان مايهم باشلار هو التصدي لما عرف في زمنه وحتى قبل زمنه بـ "القطيعة الأبستمولوجية" معرفيا, فلسفيا, فكريا. اليوم حيث نعيش العصر الإفتراضي بكل أشكاله وصيغه فإن إجبارنا كورونيا على البقاء في البيت جعلنا نكتشف نحن أيضا لكن هذه المرة "محزوزين ملزوزين"  أن البيت مجرد محطة سفر على سكة قطار كذاك الذاهب الى حمد سامعا فقط "دك كهوة" وشاما "ريحة هيل". صار البيت يبحث عن توصيف بعد أن بات عالما إفتراضيا بدء من حمد والهيل والكهوة.

image image image

آراء من نفس الكاتب


المزيد
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام