بعزم شباب التحرير.. مستشفى بردهة طوارئ متقدمة.. والمسعفون ملائكة (التوك توك)

تقارير |   08:38 - 15/12/2019



بغداد – موازين نيوز
لمْ يكن مستشفى التحرير إلا عبارة عن بناية صغيرة استغلها بعض الشباب المتطوعين لإنقاذ جرحى التظاهرات وقاموا بتحويلها من مكب للنفايات الى ردهة طوارئ متقدمة تم افتتاحها بموافقة رسمية من دائرة صحة الرصافة.
يقول مسؤول المستشفى عادل الزيدي في حديث لصحيفة الصباح، اطلعت عليه /موازين نيوز/، إن "أغلب المفارز الطبية الموجودة في ساحة التحرير كانت متنقلة وموزعة بشكل منتظم بين الحشود المنتشرة"، مبينا انه"لم يتم افتتاح هذا المستشفى الا بعد فترة وجيزة من اشتداد حدة التظاهرات، ولم يكن علينا الا البحث عن مكان آمن لمعالجة الجرحى وحمايتهم من الخطر المحدق بهم في ساحة التحرير بسبب القنابل المسيلة للدموع، وفعلا بعد بحث طويل وجدنا هذه البناية المقفلة منذ عام 2003 ولم تكن الا عبارة عن مكب للنفايات، وبعد الحصول على موافقة صاحب المبنى قمنا بإعادة تأهيلها لتنافس وبشهادة الأطباء ردهات الكثير من المستشفيات من ناحية النظافة والأجهزة والعمل الطوعي والرسمي من قبل بعض الكوادر الطبية".
واكد، أن "مستشفى التحرير أو ردهة الطوارئ المتقدمة " امتداد للبناية الأخرى التي تمت إعادة تأهيلها لتكون مركزاً لمستشفى دائرة الرصافة وكوادره الطبية".
ويضيف الـزيـدي بـصـوت مـلـيء بالفخر، أن "هـذه المـفـرزة كانت خارجية واستشعاراً لأهمية المكان ووقــع اســمــه، فـسـمـيـنـا المـسـتـشـفـى بــ (الـتـحـريـر) لمـا لـه مـن حـريـة فـي معالجة واستقطاب الجرحى ومـعـالـجـتـهـم، لــذا تــم تـعـزيـز المـسـتـشـفـى مــن قبل دائــرة صـحـة الـرصـافـة بـالـكـوادر الطبية والـكـوادر الـطـوعـيـة الـخـارجـيـة لـيـعـمـلـوا بـيـد واحـــدة لإنـجـاح هـذا العمل والمـبـادرة الانسانية التي كانت بجهود وبتمويل ذاتي، حتى أصبحت مدعومة بشكل كبير لديمومة العطاء الانساني الذي أنشئ من اجله هذا المستشفى".
 قطع حديثنا صـوت عجلة "التوك تـوك" وهـي تقف بسرعة فائقة أمام مستشفى التحرير، سارع الكثير مـن الاطـبـاء والمـمـرضـين لاستقبال المتظاهر الـذي تعرض الى حالة اختناق شديد؛ نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع، ويقول يحيى صادق صاحب، إنها "الحالة عربة الاسعاف المصغرة بصوت عـال الرابعة التي تم نقلها هنا". ويـجـلـس أمــام المـسـتـشـفـى المـتـظـاهـر حـسـين علي كـاظـم الــذي تـعـرض الــى حــروق شــديــدة بساقيه نـتـيـجـة احــتــراق إحــدى الـبـنـايـات، مـشـيـراً الــى أن إصـابـتـه "لـن تـقـف عـائـقـاً أمــام مـسـانـدتـه الطوعية للشباب المتظاهر".
وبعد أن خف لهيب الموقف؛ عاد مسؤول المستشفى الــزيــدي لـيـؤكـد أن مـسـتـشـفـى الـتـحـريـر أو ردهــة الـطـوارئ المتقدمة "هـو امـتـداد للبناية الأخـرى التي تمت إعادة تأهيلها لتكون مركزاً لمستشفى دائرة الرصافة وكوادره الطبية".
 اسـتـلـم دفــة الــحــديــث أحــد مــســؤولــي مستشفى الرصافة الـذي "رفـض الاشـارة الـى اسمه" لأسباب لم يعلن عنها، وقـال: إنـه "بحسب توجيهات مدير عـام دائــرة الـرصـافـة الـدكـتـور عبد الغني سعدون الـسـاعـدي تـم تـوزيـع خمس مـفـارز طبية منتشرة في ساحة التحرير لتقديم جميع الخدمات الطبية والصحية للمتظاهرين، إضافة الى إسعاف الجرحى ونقل الحالات الحرجة بحسب الحالة والمستشفى الـــذي يـعـنـى بــه، ويـبـلـغ عــدد ســيــارات الاســعــاف المنتشرة فـي ساحة التحرير 20 سـيـارة إسعاف مـهـيـأة عـلـى مــدار الـسـاعـة لاسـتـقـبـال الـنـداء ونقل وأضــــــاف، "هـــنـــاك تـــعـــاون مــشــتــرك بـــين دائـــرة الحالات".
 مـسـتـشـفـى الــرصــافــة وكــلــيــة الــطــب والـصـيـدلـة وكلية التمريض وإعــداد الممرضين للعمل بجهود عـالـيـة لتقديم المـسـاعـدة للجرحى ورعـايـة حـالات الاخــتــنــاق والـــرضـــوض الــتــي يـمـكـن مـعـالـجـتـهـا بسرعة".
المطعم التركي على مقربة من المطعم التركي يقف المتظاهر (هافال البرزنجي) الذي كان حاضرا منذ بداية التظاهرات مـطـالـبـاً بـالـحـقـوق المــشــروعــة، ويــقــول: إن "هــذه الانتفاضة التشرينية -كما يصفها- استطاعت جمع غضب الشارع العراقي وصبه في تظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم"، مؤكداً أن "هذه الانتفاضة أذابت الطائفية وصهرتها بمحبة العراقيين وبإيمانهم التام بأن العراق سيعود من جديد بسواعد الأبطال مـن أبـنـائـه وإعــادتــه الــى مـصـاف الـــدول المـتـقـدمـة، والـدلـيـل عـلـى ذلــك الـحـمـلات الـطـوعـيـة الـتـي تـقـوم بها المـفـارز الطبية التي كانت حاضرة منذ انـدلاع التظاهرات". مــن جــانــبــه، يـشـيـر عـلـي الــلامــي بــصــوت مـلـيء بالفخر، الى أن "هذه التظاهرات تمكنت من توحيد كـلـمـة الــعــراقــيــين وانــصــهــار الــطــوائــف والأديــــان والــقــومــيــات لـتـصـب فــي بــوتــقــة الــوطــن الــواحــد الـرافـض لـكـل الـتـدخـلات الـخـارجـيـة وإيـصـال هـذه الرسالة لجميع العالم، ما يعني أن الـعـراق الجديد لــن يـحـكـمـه إلا أبــنــاؤه فـقـط، وإنــه لا مـكـان لغير الوطنيين". ملائكة {التوك توك» منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل يقف الشاب أحمد عبد الرزاق بالقرب من المطعم التركي أو "جبل أحـد" لاستحصال شرف نقل المتظاهرين وتلبية متطلباتهم، ويـقـول (عبد الــرزاق تـوك تـوك) كما يكنى فـي ساحة التحرير، إن عـمـلـه "جــاء لمـسـانـدة أبــنــاء الـشـعـب والمـطـالـبـة بـحـقـوقـهـم المــغــبــونــة مــنــذ أكــثــر مــن ســتــة عـشـر عاماً".
ويشير الـى أن الطوابير الطويلة من العربات التي تـتـحـرك بـسـرعـة وهــي تــحــاول إيــصــال الـجـرحـى وحــالات الاخـتـنـاق الـتـي سببتها الـقـنـابـل المسيلة لــلــدمــوع الــتــي تـطـلـق عـلـيـهـم، هــي جـــزء صـغـيـر مـمـا نـسـتـطـيـع تـقـديـمـه لإنــجــاح هــذه الـتـظـاهـرات وإعـــادة الــعــراق الــى مـا كــان عـلـيـه يـزخـر بشباب المـسـتـقـبـل الـذيـن سـطـروا أروع المــواقــف البطولية الـتـي سـجـلـهـا الـتـاريـخ بـشـريـحـة ذاكــرتــه الـزاخـرة بالإنجازات".
كانت عربات (التوك توك) في وقت سابق يصفها البعض بـأحـد (أوجــه الاسـتـيـراد الـخـاطـئ)، لكنها أصبحت (شـريـان ساحة التحرير) وأحـد أسباب ديمومتها، ويقول أحمد عبد الرزاق الذي يقف على مقربة من عربته المحترقة، إنه "منذ بداية الانتفاضة وهـو قـد وهـب جـل وقـتـه لنقل المتظاهرين، الـى أن حـصـل مـا حـصـل وتـعـرضـت عـربـتـه الــى الـحـرق"، وردد بسؤال خانق أذاب جليد الألم الذي يعتليه بأنه "فقد الوسيلة الوحيدة التي تسهم بإدامة الحراك في ساحة التحرير!".
قطع حديثنا صـوت أحـد المتظاهرين وهـو يطالب بجمع التبرعات لشراء عربة جديدة ليكمل الرجل مـسـيـرتـه المـشـرفـة فــي سـاحـة الـتـحـريـر وتـهـافـت الـجـمـيـع لاســتــرداد ولــو جــزء قـلـيـل مـمـا قـدمـه في سبيل نقل الجرحى والشهداء. إسعاف مصغر ويشيد أحد المتظاهرين بالعمل الذي يقوم به أصحاب (التوك توك) وما يتحملونه وسط الزخم الحاصل فـي سـاحـة الـتـحـريـر، مـعـربـاً عـن إعـجـابـه بــ "عـزم هؤلاء الشباب الذين تمكنوا من التعبير عن أنفسهم وبشكل مذهل عبر وضع عبارات تليق بانجازاتهم حـتـى بــات أعـظـم الـشـعـراء والـكـتـاب يـتـغـنـون بهم وبإبداعاتهم". تشاهدونهم ببساطة على شكل سـيـارة إسعاف مصغرة ووسيلة نقل لمن يريد التنقل بين الحشود المنتشرة ولم يبتعدوا عن المبادرات الانسانية التي سجلت بالخط العريض على جدران ساحة التحرير، تبرع أصحاب (التوك توك) بتصليح العربات التي شارفت على انتهاء صلاحيتها بسبب الاستخدام المتواصل ولإعادة ديمومتها، كان سجاد وصديقه عـبـاس حـاضـريـن بـمـعـداتـهـمـا لإصــلاح مـا يمكن إصلاحه، ويقول سجاد إن "هـذه العربات شريان التظاهرات وديمومتها، لـذا نسعى لأن تبقى على قـيـد الـحـيـاة لإدامـــة الــحــراك، والــتــي تـمـثـلـت بــروح الـتــعـاون وعــدم نـسـيـان واجـبـاتـهـم عـلـى هـامـش الـتـظـاهـرات، فـتـشـاهـدهـم الـيـد الـيـمـنـى للمسعفين والناقل الأبرز للمختنقين ولم يقتصر عملهم فقط عـلـى ذلــك، فـقـد تـبـرعـت مـجـمـوعـة مـنـهـم لتنظيف الأمكنة قـدر الإمـكـان والمساهمة بنقل الطعام من الــســرادق الــى جـمـيـع المــوجــوديــن فــي الـتـظـاهـرات والـعـنـايـة بـهـم والــتــأكــد مــن تـوفـيـر المـسـتـلـزمـات الضرورية لهم". مـهـمـة هـــذه الــعــربــات نــقــل الــشــهــداء والــجــرحــى والمصابين بحالات اختناق إلى المستشفيات القريبة كمستشفى الـشـيـخ زايــد أو الــطــوارئ أو الجملة العصبية، إضافة إلى إسعاف كبار السن ولم يكن عملهم لكسب الــرزق لأنـهـم يعملون بـالمـجـان ولا يستوفون أي أجر، يؤكد أحد المتظاهرين الذي كان يجتاز الحشود بسرعة فائقة لنقل أحد المصابين الى مستشفى التحرير، أن "مطالبهم مشروعة ولم يستوجب الأمر بأن تراق الدماء"، قطع حديثه وبعد أن أخـذ نفساً عميقاً، قـال بصوت مليء بالحزن: "نـأسـف عـلـى مـن لا نستطيع نقلهم الــى المشفى لإنقاذ حياته".انتهى29/ص


اخبار ذات الصلة

image image image
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام