اعراف عشائرية عصية على القانون.. محافظات جنوب العراق تسجل حالات انتحار بطرق بشعة

تقارير |   09:23 - 13/06/2021


تقرير: صفا احمد 

تعاني المحافظات الجنوبية في العراق سوء الاوضاع المعيشية والحياة الاجتماعية القاسية المؤطرة بالاعراف العشائرية والتقاليد الصارمة، فضلا عن ارتفاع حالات الانتحار في مدنها وازقتها التي سجلت بطرق مختلفة ومخيفة منها الشنق و الحرق .
تقارير كثيرة تحدثت عن اسباب ارتفاع نسب الانتحار في العراق ولكن حتى الان تشوب هذه الحالات الغموض ، فالبعض يرى انها تعود لاسباب اقتصادية مادية والبعض الاخر يعزوها الى الضغوطات التي تمارسها الاعراف والعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات المحافظة التي لاتزال متجذرة جنوب العراق .
التعنيف الاسري والاعراف العشائرية
 لم تكن المرة الاولى التي تحاول بها ليلى الانتحار والتخلص من حياة عاشتها تحت السيطرة الذكورية التي يفرضها والدها واخاها، ليلى تحملت اعباء المنزل بعد وفاة والدتها، حرمت من حقوقها واجبرت على ترك دراستها.
تقول ليلى الاسم المستعار لفتاة ذات الثلاثين ربيعا ، ان "ما يمارسه والدي واخي عليَ من ضغوطات وحرمان وقساوة جعلتني اكره العيش ، فهما حرماني من التعليم منذ ان كنت في مرحلة الاعدادية، وقتها توفيت والدتي واضطررت الى تربية اخوتي الاصغر مني سنا والاهتمام باخي الاكبر و والدي".
ذات يوم ضربني والدي عندما لم يعجبه مذاق الطعام وعاملني بعنف، حاولت الانتحار بتاولي اقراص من الدواء المزمنة، نقلت الى المستشفى بعد ان فقدت الوعي، فكانت هذه اولى محاولتي للانتحار، اما الثانية اردت ان اقطع وريدي ومنعني اخي الاصغر باكيا ".
لم تكن ليلى وحدها من حاولت الانتحار ، سارة هي الاخرى انتحرت حرقا داخل منزلها ، هدى الاخت الاكبر لسارة تروي بحزن ودموع منهمرة ماحدث لسارة.
هدى تقول : ان "والدي و والدتي اجبرا سارة على الزواج من ابن عمي ، في حينها كانت سارة تحب شابا ويخططان للزواج، منعاها والداي من الزواج به، وعندما علمت سارة بان والدي حدد موعد لخطوبتها من ابن عمي  رفضت بشدة ولكنها تعرضت للتعنيف منه، وفي صباح يوم جمعة سمعنا صراخ سارة يعم ارجاء المنزل، كانت قد احرقت نفسها وهي تردد (حسبي الله ونعم الوكيل).

الصدمات العاطفية وخيبات الامل
مفوضية حقوق الإنسان في العراق، كشفت نهاية عام 2020 عن ارتفاع الوفيات جراء الانتحار في  بنسبة 8.5 بالمئة على أساس سنوي  ،  وهذا التصاعد متكرر للعام الرابع على التوالي.
الاعلامية والناشطة المدنية المهتمة بشأن المرأة "اميرة الجابر" عدت ظاهرة الانتحار وارتفاعها في المحافظات العراقية الى ارتباطها بالجنس نفسه فهناك كثير من الذكور اقدموا على الانتحار والبعض الاخر فشلت محاولتهم بسبب سوء المعيشة وحرمانهم من الحقوق الطبيعية ".
كما اشارت الجابر في حديثها الى الصدمة العاطفية التي يعشيها الجنسين، فضلا عن خيبات الامل التي اودت بحاة كثير من النساء والرجال، اما في المحافظات الجنوبية فتشهد المرأة قسوة بحياتها لما تخضعها، بسبب العادات والاعراف التي تجبرها على تحمل ما لا تستطيع تحمله، كالزواج القسري وتركها لدراستها وقتل احلامها وطموحها ".
مضيفة: "لايوجد قانون يحمي المنتحر ولكن يجب اقرار قوانين العنف الاسري والقوانين التي تصحح سلوكيات الفرد التي تجبر غيره على ما لا يرغب به، كما من الضروري المطالبة بتوفير قوانين تحمي القاصرين والقاصرات ".
المسؤولية الحكومية اين ؟
البيئة العراقية المضطربة كثيرة الازمات اسهمت في ارتفاع حالات الانتحار في الجنوب والوسط وحتى في بعض القرى الشمالية الكردية، الباحث النفسي الدكتور "فالح القريشي" يرى ان من اهم الاسباب ارتفاع الانتحار الازمات الاقتصادية والامنية فضلا عن فقدان المواطن العراقي لحقوقه المعيشية الكريمة.
ويضيف القريشي: ان "الابتزاز الالكتروني وانتشاره في الاونة الاخيرة بعد العولمة التكنولوجية ودخول المخدرات من جميع منافذ المحافظات لها دور في انتحار اعداد كبيرة من الشابات والشباب الذين يعانون من الفقر والضغوط النفسية".
وحمل القريشي الحكومة العراقية مسؤولية ارتفاع هذه النسب كون الحكومة عاجزة عن تلبية مطالب ابسط حقوق المواطن" ، مبينا ان "الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط اعلن ان اكثر من 20‎%‎ من اجمالي سكان العراق تحت خط الفقر وهذا يؤدي الى ارتفاع حالات الانتحار ".
ويتابع : ان "النزاعات القبلية والعادات العرفية في المحافظات الجنوبية ترهق النفسية وبالتالي تولد لدى الفرد شخصية عدائية عنيفة كارهة للحياة ، كما ان لكورونا دور في ارتفاع الانتحار بسبب الضغوط التي شهدها العوائل اثناء الحجر الصحي ، وهذا ما اكدته الامم المتحدة حيث كشفت عن وقوع 123 حالة انتحار لعراقيات خلال الحجر الصحي".
غياب المنظومة القانونية
اما الحقوقي جمعة المياحي يرجع اسباب الانتحار الى غياب المنظومة القانونية التي تحمي الفرد العراقي وتحديدا الفتيات .
المياحي يقول: "حتى الان لا توجد في العراق منظومة قانونية تحمي الانثى المعنفة من داخل منزلها وهذا ما يحصل في المحافظات الجنوبية التي لا تزال تعامل الانثى تحت العادات والاعراف العشائرية والدينية الجائرة، فهي تحرمها من حقوقها كونها (بنت)".
ويبين المياحي ان "العراق لا يزال يفتقر الى دور الايواء التي تلجأ اليها المرأة عندما تتعرض للتعنيف او عندما تحاول الهرب من الضغوط ، لذلك تضطر الى الانتحار هربا من الواقع المرير" ، لافتا الى ان "الانتحار قرار بحاجة الى دراسة فهو ليس بالقرار السريع ولكنه بحاجة الى قناعات واصرار ".
وبحسب ما يرى المياحي ان "الحل المناسب للحد من هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطرا كبيرا على المجتمع هو اقرار قانون العنف الاسري وتوفير دور ايواء وقانون يجرم كل من يشجع على الانتحار او يجبر احدا على الانتحار ".
 تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.


اخبار ذات الصلة

image image image
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام