«عليك أن تتعمَّق».. الفن الإسلامي يعود للحياة في معرض بلندن وعراقي أحد الفائزين

علوم وتكنولوجيا |   09:36 - 16/10/2018


متابعة- موازين نيوز
بدايةً من فسيفساء الجامع الأموي في دمشق وحتى الخط العربي المنقوش على قبة الصخرة في القدس، عادةً ما يُربَط بين الفن الإسلامي وعجائب المعمار في العالم القديم لكن جائزة جميل للفن تطرح مفاهمياً جديدة حول الفن الإسلامي، حسب موقع Middle East Eye البريطاني.
ومع ذلك، بمجرَّد دخولك إلى المعرض المُقام بمتحف فيكتوريا وألبرت في لندن، حيث تُعرَض أعمال الفائزين والمتسابقين النهائيين بجائزة جميل للفن، يتَّضح أنَّ للتقاليد الإسلامية مكاناً ذا أهميةٍ في الفن الحديث.
بدءاً من المعماريين، ومروراً بمصمِّمي الأزياء والفنَّانين البصريين، يعرِض المتسابقون الثمانية النهائيون لجائزة هذا العام جميعاً مدى رسوخ أهمية الأنماط الإسلامية في الزمن المعاصر.
جائزة جميل للفن هي جائزة تُمنَح مرة كل عامين، وتحتفي بتجسيد التراث الإسلامي في الفن والتصميم المعاصرَيْن.
وفي نُسختها الخامسة، مُنِحَت الجائزة هذه العام وقدرها 25 ألف جنيه إسترليني (33 ألف دولار) للمرة الأولى لمتسابقين نهائيين: مارينا تبسم ومهدي مطشر. تُعرَض أعمالهما بصحبة 6 متسابقين نهائيين للفوز بالجائزة، يوم 27 يونيو/حزيران، بحضور فادي جميل، رئيس مؤسسة «فن جميل»، متصدِّراً الاحتفال.
مُنِحَت مارينا تبسم، وهي مصممة معمارية من بنغلاديش، الجائزة عن تصميمها الاستثنائي لمسجد بيت الرؤوف في مدينة دكا.
إنَّ المسجد الذي صمَّمته مارينا هوَ ملاذٌ من هرج ومرج العاصمة البنغلاديشية، ويصفه كثيرون بأنَّه كيانٌ روحاني بديع.
وأخبرت مارينا موقع Middle East Eyeالبريطاني في مقابلةٍ عبر الهاتف من مدينة دكا: «رأيت فيه ملجئاً. مجرَّد أن تدخُل وتجلس بذاك المسجد، تكون ابتعدت عن أشياء كثيرة في الخارج».
 والمسجد في حدِّ ذاته، الذي اكتمل بناؤه عام 2012، بعد خمسة أعوامٍ من التشييد، هوَ مثالٌ على كيفَ يمكن للتصميم المعماري الماهر أن يتلاعب حتى بأزهد مواد البناء ثمناً، وفي هذه الحالة، بالطوب والإسمنت، كاشِفاً في النهاية عن نتاجٍ مدهش.
 وفسَّرت مارينا، وهي تبلغ من العمر 49 عاماً عملية بناء المسجد فتقول: «تبرَّعت جدتي بالأرض، لكن لم تتوفَّر فعلياً الموارد لبناء المسجد. محدودية مواردنا لهذه الدرجة عَنَت أنَّ البُنيان ظلَّ بشكلٍ ما بدائياً جداً، وأولياً جداً».
يتميَّز تصميم مارينا عن المساجد التقليدية. على سبيل المثال، لا توجد به مئذنةٌ ولا قبة، ولم تُستخدم فيه أية زخارف من أي نوع. بدلاً من ذلك، اتَّجهت المعمارية لتركيبٍ معماري مُقِلّ يعتمد في أساسه على العناصر الطبيعية.
قبساتٌ من نور
في الصالة الرئيسية للمسجد، تُوشَّى الأرض بقبساتٍ من نور الطبيعة تتساقَط عليها من فتحاتٍ في سقف المبنى، ويتوهَّج من خلال كُوَّاتٍ في الجدران.
وقالت مارينا: «يخلق الضوء الحالة الروحانية المرغوبة».
كذلك يُخلَق حسٌ بالروحانية من المراعاة الوثيقة التي أفردتها مارينا للمناخ الذي يقع به المسجد. وإذ تعلم مدى أهمية تيار الهواء في مدينةٍ ذات رطوبة كمدينة داكا، صمَّمت مارينا نظام «تهويةٍ متداخلة» مستخدمةً أنفاقاً وباحاتٍ مفتوحة تسمح للهواء بالسَّريان إلى المكان ومنه بسلاسةٍ تامة.
يمكِن في هذا المسجد أن يعايش الزوار حالة من الإحساس بالهدوء والراحة بعيداً عن زَخَم المدينة.
ومع أنَّ تصميمها للمسجد قد يكون عصرياً، فإنَّ نيَّة مارينا لذاك الحيز لم تكن إلَّا تقليدية، عائدةً بالزمن إلى المساجد الأولى التي لم تكن مجرَّد أماكن للعبادة، بل مساحةً للتجمُّع.
وأكملت مارينا قائلة: «إن بنغلاديش بلدٌ ذو أغلبية مسلمة، لذا فإنَّ كل شيءٍ فيها يُنسَب للتقاليد، والفلسفة، والممارسات الإسلامية. لكنَّ هذا يختلف عمَّا تراه في الشرق الأوسط. هُناك إطارٌ مختلف، الإطار المناخي والتاريخي وكذلك الثقافة السائدة قبل انتشار الإسلام».
الفن الإسلامي والحداثة الأوروبية في عملٍ واحد
الفائز الآخر مناصفةً بالجائزة هوَ الفنان البصري مهدي مطشر. يتداخل في أعماله التجريدية الفريدة أثر الفن الإسلامي من العراق موطنه الأم والحداثة الأوروبية.
وفي منحوتته، Deux plis à 120، تُعرَض صفيحتان معدنيتان مطويَّتان عند المنتصف، مكوِّنتين أشكالاً هندسية تتلاقى عند طرف الزاويتين. تُذكِّرنا الخطوط الحادة والأشكال المُقاسَة بعناية بالتجريدية الهندسية الأوروبية في القرن العشرين. إلَّا أنَّ موضَعة المنحوتة بزاويةٍ مائلة حادة على الجدار يحمل صدى واضِحاً من فن الخط العربي.
درس مطشر، ويبلغ من العمر 75 عاماً، الفنون الجميلة في بغداد، ووصف إحباطه من كيفية تطرُّق البعض للفن الإسلامي.
وقال: «يعتقد كثيرون في مجال الثقافة الإسلامية أو العربية أنَّ الثقافة الإسلامية كانت نوعاً من الزينة، لكنَّها ليست كذلك، إنَّها أمرٌ أكثر بلاغةً من ذلك، وأكثر تعقيداً، وأكثر حداثة».
وكانت لحظة انتقال مطشر إلى فرنسا هي اللحظة التي اكتشف فيها الفنان أوجه شبهٍ جليّة بين الفن الإسلامي والحداثة الأوروبية.
وأخبر مطشر موقع Middle East Eyeمن الاستوديو الخاص به في مدينة آرل الفرنسية: «في الفن الإسلامي، مثلما في الخط العربي أو الأرابيسك، تجد إحدى نقاط التشابه الأساسية متمثلة في المساحة وقياس المسافات بدقة. على سبيل المثال، إذا نظرت للخط العربي، تجد أنَّهم يقدِّرون المسافة حيث يكتبون الحروف على قياس سُمك الخط، على حسب القلم (الأداة التي يكتبون بها)».
شرح مطشر أنَّه باستخدام هذه الأداة (القلم)، يرسم الخطَّاط «نقطة» على شكل المعيَّن الهندسي، منها يقيس طول الكلمات التالية وعرضها والمسافات بينها. ووصف كيف استهلَّ الفنَّانون الحداثيون أعمالهم بطريقةٍ مشابهة.
وقال: «اكتشفت أنَّ هذه النقاط أيضاً مهمة في الحداثة، مثلما في التكعيبية، والبنائية، والبنائية الروسية، وفي مدرسة الباوهاوس».
وفي عمله الفني Deux carrés dont un encadré أي «مربعان وصندوق»، يوجَد مربع أزرق على خلفيةٍ بيضاء. تحته يوجد مربعٌ ثانٍ داخل مثمَّن أضلاعٍ يمتد خارجاً من الجدار. في الوقت ذاته، يتردَّد في المربع المائل صدى نُقطة الخطاط العربي ويُظهَر اللون الأزرق الزاهي متماشياً مع اللون المستخدم لتزيين جدران المعمار الإسلامي.
وصف مطشر استخداماً للونٍ أزرق مشابه في المسجد الرئيسي بمدينة بغداد الأصلية وُجِدَ منذ قرونٍ مضت. قال: «كان مدهشاً بالنسبة لي أن أستمر باستخدام اللون ذاك كما لو كان علامةً من موطني».
كذلك يدمِج متسابقون نهائيون غيرهم التقاليد الإسلامية بالحداثة الأوروبية في ممارساتهم الفنية.
تمزج لوحات الفنانة العراقية هيف كهرمان مُثُل الجمال في فن عصر النهضة بتأثيرٍ من المخطوطات العراقية العائدة للقرن الرابع عشر والمنمنمات الفارسية، في إشارةٍ لدور النساء في المجتمع. كذلك تستوحي الإلهام من معاناتها الشخصية في حياتها كلاجئة، بعد انتقالها من بغداد إلى السويد عام 1991 أثناء حرب الخليج وهي في العاشرة من عمرها.
ففي لوحة The Translator أي «المترجم»، على سبيل المثال، تُشبه البشرة البيضاء والملامح الرقيقة لوجوه النساء المرسومات بوضوحٍ تمثيل الكمال الأنثوي في لوحات عصر النهضة في إيطاليا، فيما تُقارب ثُنائية أبعاد اللوحة وتكوينها المخطوطات الفارسية والعراقية المذهَّبة.
كذلك فإنَّ عمل The Naqsh Collectiveأي «مجموعة نقش»، للأختين نسرين ونرمين أبو ديل -وكلتاهما متأهلة نهائية لجائزة جميل للفن- هي إعادة ابتكارٍ لحرفة التطريز الفلسطيني التقليدي بطريقةٍ معاصرة بنقش الأنماط التطريزية التقليدية على الخشب والرخام، باستخدام التقنية الرقمية، وبذلك تضمن توريثها للأجيال المقبلة.
رمزية المكعب
في أحد الأركان الأكثر ظُلمةً من المعرض، تتوهَّج سلسلةٌ من اللوحات ذات الألوان الصفراء والبرتقالية الدافئة من أُطُرها. وفيما يقترب الناظِر منها ينكشف له تتابعٌ من اللوحات المصغَّرة. وبالنظر عن كثبٍ أدق، يجد أنَّ مجموعةً من الطيور متناهية الصغر تندفع محلِّقةً خارج الإطار، ممتدة على الجدران وإلى الأرض.
هذا عملٌ للفنانة الباكستانية وردة شابير. ومع أنَّها لا ترى نفسها فنَّانة منمنمات، إلَّا أنها تمزج مبادئها في ممارستها للفن المعاصر.
شرحت وردة، من منزلها في لاهور، العاصمة الثقافية لباكستان: «الفكرة الأساسية هنا هي أنَّ عليك أن تتعمَّق أكثر فأكثر، وكلما تعمَّقت تكشِف تفصيلاً جديداً. إنَّه كما لو يكون عملاً فنياً تفاعلياً».
إنَّ أثر منمنمات القرن الرابع عشر والمنمنمات البهارية ذات الطابع الهندي جليٌّ في طريقة تصويرها التقليدية للطبيعة.
وفي لوحة A Cube أي «مكعب» تُرَى شجيرةٌ على شكل مكعَّب في مركز اللوحة على خلفيةٍ صفراء دافئة.
قالت وردة، وهي تشير للكعبة، القائمة في مركز المسجد الحرام في مدينة مكة المقدسة بالسعودية: «إنَّ المكعب في حد ذاته هو علامةٌ على كلية الوجود. إنَّه رمزٌ في الفن الإسلامي.
إذا تأمَّلت تجد أنَّ أشهر وأعظم رمز للإسلام هو الكعبة، وهي مكعَّب».
اكتشاف الذات
يكمُن مفهوم الصراط المستقيم الإسلامي وراء ممارسة وردة للفن. وتشير الكلمتان معاً إلى رحلة المرء نحو الصلاح، ومع ذلك فسَّرت وردة أن ما يثير فضولها أكثر هو «الصراط»، أي السبيل الذي يسلكه كلُّنا وترسمه قراراتنا وأفعالنا.
ترمز لوحة Two Pillars إلى هذا الصراط. رُسِمَت شُجَيرتان متوازيتان على خلفيةٍ برتقالية دافئة، أشبه ما تكون بإضاءة لاهور. وبمعنى أشمل، فإنَّ في هذا العمل الفني رمزية لكل دربٍ من دروب اكتشاف الذات. وبالنسبة لوردة نفسها فإنَّه يستكشف اختيارها بأن تخالف توقُّعات المجتمع المنصوبة لها، وأن تَتبع حياةً مهنية في الفن.
قالت وردة: «كوني امرأة مسلمة في باكستان لم يكُن من السهل أن أختار الرَسم ليكون مهنَتي، أوَّل ما يجب عليك فعله هوَ أن تحطِّم العُرف الاجتماعي لدى عائلتك، ثم في عالمك المحيط، لكونك فتاة تريد أن تكون رسَّامة».
وكونها كذلك أول امرأة في عائلتها تتَّخذ الفن مهنة، كان على وردة أن تتحلَّى بالتصميم لتسعَى وراء حلمها. وكانت محظوظة كفايةً بوالدين دعما قرارها ذاك.
الآن وردة في الثلاثينيات من عمرها، متزوجة، وحاملٌ بطفلها الأول، وليست لديها أدنى نية لإيقاف مسيرتها الفنية.
قالت: «لم يكُن سهلاً عليَّ أن أصبح فنانة، كان عليَّ أن أخالف الأعراف الاجتماعية. لا أشعر بأي ضغطٍ كان للتخلِّي عن حياتي الفنية، بل الواقع أنِّي أعتقد أنَّ ذاك سيزيد مِن فهمي للحياة».
ومن خلال فنِّها، يُصبِح بإمكان وردة أن تستكشف «صراطها» الشخصي، فيما تمثِّل كذلك قدوةً للنساء في المواقع الأدنَى.
قالت وردة: «من خلال ممارستي للفن تلك، أحاول أن أنضُج بصفتي إنساناً، وأن أعلِّم غيري من الإناث أيضاً أنَّكِ هكذا يمكنكِ اختيار مسارك، وأنَّه ليس محرَّماً أن تكون المرأة رسَّامة. عليَّ أن أكون هذا الصراط للأخريات كذلك».
* ستُعرَض أعمال جائزة جميل للفن بمتحف فيكتوريا وألبرت حتى يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.انتهى29/ع


اخبار ذات الصلة

image image image
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام