لماذا أصبح الاستثمار في العراق بوابة للفساد؟

تقارير |   06:19 - 12/08/2020


بغداد- موازين نيوز
مع كل أزمة اقتصادية يشهدها العراق، تعيد دوائر صنع القرار في البلاد الحديث عن ضرورة تصحيح الوضع الاقتصادي العام، وجلب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من أجل بدء إعادة الإعمار وتوفير فرص عمل للشباب.
غير أن العراقيين يدركون في كل مرة أن هذه الدعوات لا تكاد تجد لها تطبيقا على أرض الواقع؛ بسبب تضارب القوانين، فضلا عن الفساد والبيروقراطية الإدارية.
وشهد العراق عام 2006 إقرار أول قانون للاستثمار بالرقم (13)، ويتمثل في تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وتتفرع منها هيئات في جميع المحافظات العراقية، وتعنى بجلب الاستثمارات المحلية والدولية من أجل تحسين واقع البلاد الخدمي والبنى التحتية وخلق فرص عمل للعراقيين، الذين يعانون منذ عقود من بطالة هي الأعلى في المنطقة.
ولم يفلح هذا القانون في تحقيق أي هدف شُرِّع من أجله، حسب كثير من الخبراء، ومنهم مدير هيئة استثمار نينوى الأسبق موفق يونس الذي يؤكد أنه ومنذ تشريع القانون رقم (13) عمدت أغلب الوزارات العراقية لافتتاح أقسام تعنى بالاستثمار من أجل عدم منح هيئات الاستثمار فرصة للاستحواذ على عمليات جلب المستثمرين، مما يؤدي إلى سحب البساط من وزاراتهم.
ويُوضح يونس ذلك بالقول "يتلخص عمل هيئات الاستثمار وفق قانون (13) بأن توفر الدولة الأرض المناسبة للمشاريع مقابل أن يعمل المستثمر على إنشائها وتشغيل اليد العاملة العراقية من دون أن تدفع الدولة فلسا واحدا"، لافتا إلى أن"المستثمر ووفق القانون يراجع دائرة النافذة الواحدة ضمن هيئة الاستثمار، التي تتكفل بجميع الإجراءات من دون أن يراجع أي وزارة أخرى.
أما الخبير القانوني أمير الدعمي فيرى أن سبب تداعي الاستثمار أو (موته) -حسب تعبيره- يعود إلى ضعف الدولة وعدم فرض هيبتها، إذ إن الاحزاب والمليشيات تستولي على الأراضي من دون حسيب أو رقيب، ومن دون أن تتاح الفرصة للمستثمرين.
ويرى الدعمي، أن المشكلة لا تتعلق بقانون الاستثمار وتعارضه مع قوانين أخرى قدر تعلقها بقدرة الدولة على السيطرة، إذ إن أي مستثمر أجنبي لا يستطيع الحصول على أي رخصة استثمارية من دون دفع إتاوات ورشاوى للأحزاب والوزارات، مما يؤدي إلى هروبه بسبب عدم وجود أي ضمانات أو حماية للأموال التي سينفقها، مع الأخذ في الاعتبار أن هيئات الاستثمار مقسمة بين الأحزاب وفق محاصصة معمول بها منذ سنوات.
خلل تشريعي
ورغم مرور 14 عاما على إقرار قانون الاستثمار العراقي، فإنه لا يكاد يُرى أي مشروع استثماري أجنبي في البلاد.
ويرى المستثمر العراقي ذكوان الصفار أن مشكلة العراق تتمثل في التشريعات التي لا تسهل دخول المستثمرين للبلاد، إضافة الى افتقار البلاد لتشريعات خاصة بعمل المصارف الأجنبية، وعدم وجود نظام مصرفي يسهل العمليات المصرفية.
وأشار الصفار إلى، أن القوانين في العراق تفسر وفق أهواء المسؤولين، مما يؤدي إلى تشتت المستثمر بين 16 وزارة ومؤسسة حكومية، حسب قوله.
بدوره، يقول النائب عن اللجنة القانونية البرلمانية رشيد العزاوي إن قانون الاستثمار في العراق تعترضه العديد من العراقيل، أولها تضارب هذا القانون مع قوانين استثمار أخرى في وزارات الدولة، رغم أن قانون الاستثمار (13) له الأولوية وفق تشريعه، فضلا عن أن قانون الاستثمار ذاته لا يحمي أموال المستثمر (العراقي والأجنبي) ويُطالب القانون بكشف الذمة المالية للمستثمر.
ويؤكد العزاوي -الذي كان يعمل مستثمرا قبل أن يصبح نائبا برلمانيا-أن الاستثمار في العراق لن يرى النور ما لم تسيطر الدولة على جميع المفاصل الرئيسية؛ كالمنافذ الحدودية والضرائب والجمارك، فضلا عن شفافية العمل وتسهيل الإجراءات من خلال تطبيق الحوكمة الإلكترونية.
وفيما يتعلق بتخصيص الأراضي، يكشف العزاوي عن أن غالبية الأراضي في البلاد مستولى عليها من قبل المتنفذين والأحزاب، وبالتالي فهؤلاء استولوا على الأراضي من خلال الاستثمار، ثم باعوا الرخص الاستثمارية من دون تنفيذ أي مشروع ذي قيمة، معتبرا أنّ العمل بأقسام النافذة الواحدة مجرد حبر على ورق.

ونوه إلى أن الوزارات المالكة للأراضي الصالحة للمشاريع الاستثمارية ترفض عرضها كفرص استثمارية ضمن هيئات الاستثمار، وكان الواجب أن يتضمن قانون (13) تحويل ملكيتها لهيئات الاستثمار من أجل اختصار كل هذه العراقيل.
ويكشف موفق يونس مزيدا من التفاصيل عن مشكلة الأراضي، التي وصفها بأنها من أكبر المعوقات التي تواجه المستثمرين في العراق، كما أن الوزارات التي لديها أقسام استثمارية ومالكة للأراضي كوزارتي البلديات والمالية أضرت الاستثمار، وأضاعت البوصلة لدى المستثمر عبر استغلال هذه الأراضي لأجل تمويل بعض مؤسساتها التي تعمل بمبدأ التمويل الذاتي والحكومي في آن معا، فضلا عن زيادة حالات الفساد لدى مراجعة المستثمر لها.
خسائر فداحة
وتكبد العراق خسائر فادحة نتيجة تعارض قانون الاستثمار (13) مع القوانين الأخرى، حسب عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان النائبة ندى شاكر جودت.
وتؤكد النائبة العراقية أن الاستثمار في العراق غائب منذ عام 2003، وأن البلاد خسرت فرصا كبيرة كان يمكن لها أن تنهض بالواقع من خلال إعادة البناء وتوفير فرص العمل.
وأشارت جودت، إلى وجود هيمنة من شخصيات وأحزاب ومليشيات تمنع حصول الشركات الاستثمارية الرصينة على فرصة للدخول في مجال الاستثمار في البلاد.
وتضرب مثالا على ذلك بسوء واقع الكهرباء في البلاد، رغم إنفاق الدولة أكثر من 65 مليار دولار منذ عام 2003 من دون أثر واضح، فضلا عن وجود جهات و"مافيات" مختصة بالاستيراد وتعمل على استمرار العراق في وضعه الاستهلاكي والاستيراد المفرط الذي لن ينجح معه أي استثمار.

ولفتت ندى جودت إلى تجارب دول عربية ناجحة في الاستثمار كالأردن ومصر، التي تعتقد أن جميع الفرص الاستثمارية فيها تطرح بشفافية مع إكمال جميع إجراءاتها قبل طرحها، لافتة إلى أن العراق لا يزال يعتمد الإجراءات الورقية المعقدة والنظام المصرفي القديم، فضلا عن فساد بالمليارات.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي مازن الأشيقر أن ما يعرف بمبدأ النافذة الواحدة المقر في قانون الاستثمار رقم (13) أعطى أولوية للقانون في إنجاز معاملات الاستثمار خلال أسبوعين فقط، ومن خلال هيئة الاستثمار في كل محافظة.
إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك، فالمستثمر عليه أن ينجز جميع معاملاته من خلال مراجعته جميع الوزارات ذات العلاقة بملكية الأرض أو الموافقات الرسمية في وزارات المالية والبلديات، وبالتالي أفرغ القانون من محتواه الاقتصادي.

ويعتقد الأشيقر أن السبيل الوحيد لإعمار العراق يتمثل في تأسيس مجلس الإعمار الذي يجب أن يكون وفق مبدأ المساهمة، وأن تلحق هيئات الاستثمار به، مع وجوب أن تتولى شركة محاسبة عالمية جميع عمليات المراقبة والتدقيق والخروج بتقرير دوري.
ويستشهد الأشيقر بتجارب دول مرت بالتجربة العراقية كاليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي نجحت مجالس الإعمار فيها بإعادة بنائها من الركام، مبينا أن جميع الأحزاب تقف بالضد من تشكيل مجلس الإعمار، الذي في حال تطبيقه فإن الموازنات الاستثمارية للوزارات ستنتهي، وبالتالي خسارة هذه الأحزاب حصصها في مجال إحالة المشاريع وتخصيص الأراضي.
ويعتقد عضو اللجنة القانونية النيابية رشيد العزاوي أن الأمل الوحيد لتفعيل الاستثمار يتمثل في تعديل قانونه وإلغاء ما يعارضه بما يحمي المستثمر وأمواله، فضلا عن ضرورة الإعلان عن جميع الفرص الاستثمارية المتاحة بشفافية، بعد إكمال جميع إجراءاتها مع تجديد النظام المصرفي العراقي الذي وصفه "بالمتهالك، والذي يعتمد الآليات التي عفا عليها الزمن.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن العراق لا يمتلك أي خطة استثمارية إستراتيجية تحدد ما تحتاجه البلاد من مشاريع فضلا عن التخبط في العمل.
وفيما يتعلق بالربح والخسارة، يؤكد الصحفي أحمد العبيدي أن الدولة العراقية أنفقت مئات ملايين الدولارات على تمويل هيئات الاستثمار من أبنية وأثاث ومرتبات، إلا أن عدد المشاريع الاستثمارية المرخصة والتي يقدر عددها بنحو 1500 مشروع لم ينفذ منها إلا العدد القليل في جميع أنحاء البلاد.انتهى29/ح


اخبار ذات الصلة

image image image
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام