قصة ألم من سنجار..‏ بمحكمة الكرخ.. "أشواق" تواجه من سباها حبيساً بقفص العدالة

تقارير |   01:35 - 10/03/2020


بغداد - موازين نيوز
إن كانت عصابات داعش الإرهابية التي اجتاحت أرضي العراق وسوريا في عام ‏‏2014 كالجراد الأصفر قد ارتكبت من الانتهاكات بحق شعبي البلدين ما لا يعد ولا ‏يحصى فإن أفضع ما اقترفته بحق الإنسانية جمعاء كان انتهاك كرامة المرأة، وتجسد ‏ذلك باستيلاء زمرها على نساء المناطق المُحتلة من قبلهم من معتنقات الديانة الإيزيدية ‏بفعل تجردوا به من الضمير والدين والانسانية، مخالفين عبره جميع الشرائع السماوية ‏والارضية.‏
لم يكن يخطر حتى في مخيلة المدعو (محمد رشيد سحاب مصلح) المُكنّى داعشياً ‏بـ(أبو همام الشرعي) أن يأتي اليوم الذي يقف فيه بقفص العدالة العراقية أمام ضحيته ‏‏(أشواق) في مشهد سوريالي بدا لمن شاهده بأنه تتويج للعدالة الإلهية التي وعد بها الله ‏خلقه.‏
بمواجهة القاضي يقف (محمد رشيد) في قفص العدالة بعين لاتكاد ترمق ضحيته ‏‏(أشواق) التي انطلق لسانها لتدلي لمن حضر جلسة المحكمة شهادتها التاريخية بحق ‏جلادها قبل أن يكون سابيها.‏
‏ في قاعة محكمة استئناف الكرخ الاتحادية طلب القاضي من (أشواق) الإدلاء بإفادتها ‏لتصف الذكرى الأليمة التي عصفت بكيانها قائلة:‏
كنت أعيش في كنف أسرتي حياة رغيدة، قرية سنوني الهادئة في قضاء سنجار حيث ‏مسكننا فيها ومدرستي المتوسطة التي أتلقى فيها تعليمي، كنت في فترة العطلة الصيفية ‏أعمل مع شقيقي الأكبر في محل (الصالون النسائي) الذي يمتلكه حتى حلت علينا ‏غمامة داعش الصفراء التي نسفت كل شيء، حيث كان عمري حينها 14 عاماً فقط.‏
ففي صبيحة يوم الثالث من شهر آب من عام 2014 استيقظ أهالي قريتنا وهم محاطون ‏بالمئات من آليات تحمل مسلحين بعتادهم الثقيل، بعد أن ترجلوا وانتشروا في المنطقة ‏طمأنوا الأهالي بعدم مسهم بسوء شريطة أن تُرفع الرايات البيضاء فوق سطوح ‏المنازل.‏
لكن ما أن حلت الظهيرة واكتملت صفوفهم أعلنوا جهاراً بأن على أهالي القرية إشهار ‏إسلامهم والا فمصيرهم القتل، مانحين لتهديدهم هذا مهلة تنتهي حتى الساعة الخامسة ‏من مساء اليوم ذاته.‏
الوقوع في أسر الدواعش
على اثر ذلك جمعنا والدي مقرراً الهروب من المدينة باتجاه الجبال، كان عدد أفراد ‏الاسرة مجتمعين أكثر من سبعين فرداً من اخوتي واخواتي وابناء وبنات عمومتي ‏وأخوالي حيث تجمعنا على عجالة واضعين خطة للهرب، فكان أن استقل أخي الاكبر ‏مع اسرته السيارة ليتقدم الموكب.‏
بعد ان اقتفينا اثاره بسياراتنا احاطتنا عجلات الدواعش من كل جانب مدركين وقوعنا ‏بأسرهم.‏
بكلمات يشوبها الأسى بدت (أشواق) وكأنها تستعيد ذكرىً أليمة، فاستجمعت قواها من ‏جديد لتقول للقاضي:‏
وقعنا في أسرهم .. كان أول ما قاموا به هو عزل النساء عن الرجال. كنت في الرابعة ‏عشرة من عمري حينها، وبعد العزل مع الفتيات اللواتي بسني ومن بينهم شقيقتي ‏الصغيرة اقتادنا الدواعش بعجلاتهم الى معسكرات في منطقتي (كوجو وتلعفر) بعد ذلك ‏اخذونا الى سوريا وهناك فرقونا عن بعض، حيث قاموا بعزل الفتيات الصغيرات غير ‏المتزوجات اللواتي تتعدى أعمارهن التاسعة عن ذويهن "وكنت إحداهن" ليأخذونا الى ‏الموصل.‏
كنا أكثر من ثلاثمئة فتاة، وبعد أن وصلنا الى الموصل تهافت علينا عناصر التنظيم ‏ليقوموا بتقاسمنا في مشهد بدا لي وكأننا سلع رخيصة تتهافتها أيدي المتبضعين في ‏السوق.‏
رغم حالتي المأساوية كنت أحرص على عدم مفارقة أختي الصغيرة التي لم يتبق من ‏أسرتي معي غيرها لكن بالوقت ذاته ذهلت للاثمان البخسة التي تسارع الدواعش ‏لشرائنا بها وكان اعلاها (مئة دولار) وأرخصها (علبة سجائر).‏
أصبحت من حصة (أبو همام) الذي شدني من شعري واقتادني لغرفة ممارساً عملية ‏الاغتصاب بحقي التي ما كنت أدركها جراء صغر سني حينها، اذا وضعت أسيرة في ‏منزله "المُغتصب" من اسرة ايزيدية،  كان يعتدي علي جنسيا بمعدل ثلاث مرات يوميا ‏ثم يمارس الضرب الجسدي بحقي لاكثر من مرة باليوم.‏
ومن الممارسات التي اثارت اشمئزازي هي اجباره لي بتضميد جرح غائر في ظهره، ‏الأمر الذي كان يشكل عندي عبئاً اضافيا على ما أتعرض له منه.‏
لم أكن بالمنزل لوحدي فقد كن معي عدد من الفتيات الايزيديات اللواتي سباهن ثلة ‏أخرى من افراد التنظيم لكنهم لقوا حتفهم على ايدي القوات العراقية ليصبحن ودائع عند ‏أبو همام.‏
الهروب الى الحرية
سبعة وسبعون يوماً أمضيتها مع الاخريات كن أسيرات فيها عند هذا الوحش المتجرد ‏من الروح الانسانية، لكن في أحد الأيام التي مضت علي بذات الوقع من الإرهاب ‏والقسوة تمكنت من الحصول على هاتفه الشخصي لاتصل على الفور بشقيقي الذي ‏شرحت له حالتي وما مررت به متفقة واياه على ايجاد وسيلة للهروب.‏
كان أهم ما اتفقنا عليه هو تنويم الارهابي ومن يكون معه بالمنزل ليتسنى لنا الخلاص ‏من قبضته، ارشدني الى نوع معين من المنوم، فافتعلت اصابة طالبت على اثرها من ‏‏(ابو همام) علاجي في المستشفى.‏
وهناك افهمت احدى المعالجات بنوعية الدواء الذي أطلبه متذرعة بالأرق الذي ‏يلازمني منذ السبي لتزودني به.‏
في ليلة الثاني والعشرين من تشرين الأول 2014 قمت بإعداد الطعام له ولرفاقه ‏الدواعش المتواجدين بالمنزل حيث دسست المنوم بكميات كبيرة في الطعام.‏
وبعد ان اطمأننت مع الفتيات على سريان المنوم في اجساد المجرمين هربت في ‏منتصف تلك الليلة تحت سماء ممطرة سالكين طريقاً وعراً تلفه المخاطر، سرنا لسبع ‏ساعات دون انقطاع بمناطق جبل سنجار لنسلم أنفسنا الى أقرب نقطة للجيش العراقي ‏الذي نقلنا عبر طيرانه الى ذوينا في محافظة دهوك.‏
في اواخر العام ذاته تقدمت بدعوى قضائية ضده وباسمه الصريح لتتحقق العدالة ‏الالهية وحكمة القضاء العراقي بوجودي في هذا اليوم حرّة طليقة أشهد للعالم قسوة ‏جلادي الحبيس أمامي في قفص الاتهام. ‏
في قفص العدالة
بدا محمد رشيد سحاب مصلح (ابو همام الشرعي) شارد الذهن يائس الحركة وهو ‏يستمع بإصغاء من قفصه لشهادة (أشواق). ثم تحدث قائلا:‏
انني من مواليد 1984، كنت قد قضيت في السجن عدة أعوام جراء جريمة جنائية ‏ارتكبتها مع شقيقي وابن خالي تمثلت بقتل شخص من أهالي قضاء هيت في محافظة ‏الأنبار.‏
تنقلت من سجن الى آخر حتى استقر بي الحال الى سجن بادوش الذي فيه منحت عهداً ‏لـ(أبو حمزة) بالانتماء لداعش بعد ان تلقيت دروساً شرعية على يد (ابو معاذ).‏
هربت من السجن من جملة من هربوا منه بعد اجتياح داعش للموصل. ثم بايعت داعش ‏وانتقلت الى البعاج التي فيها اسندت إلي مناصب شرعية سادها الطابع التحريضي على ‏القتال.‏
اجتياح سنجار واقتسام نسائها
اجتاحت داعش سنجار والمناطق المحيطة بها من ثلاثة محاور. كنت أحد الزمر ‏الغازية للمنطقة، أثناء الاجتياح اصبت بطلقة قناص إيزيدي وقف مدافعاً عن منطقته، ‏اخليت على اثر الاصابة الى مستشفى نينوى لتلقي العلاج وبعدها انتقلت الى البعاج ‏لتلقي علاجي ثم نقلت الى قرية الرمبوسي.‏
بعد ان تشافيت هناك دخلت الى المضافة (احد منازل الايزيدية) في منطقة (الرمبوسي) ‏حيث تم اهدائي السبية (اشواق) عبر القرعة كمكافأة لي على مشاركتي بالغزوة ‏واصابتي بها.‏
أعترف بأنني نكلّت بأشواق ومارست بحقها الاغتصاب والتعذيب، وقد استخدمتها رغم ‏صغر سنها كممرضة لتضميد جراحي رغم أنها كانت تشعر بالهلع مما عرضتها له ‏وهي بهذا السن الصغير.‏
وفي يوم 23 تشرين الأول من عام 2014 وبعد إفاقتي من نومي مع رفاقي اكتشفت ‏أن اشواق والسبيات الأخريات اللواتي كن في منزلي قد لذن بالفرار.‏
بعد هروب اشواق مني عملت في الانبار شرعيا ثم تنقلت الى عدة مناطق فيها حتى ‏تحريرها كليا على يد القوات العراقية في عام 2017 لافر الى سوريا واقيم بولاية ‏البركة.‏
لكنني عدت الى العراق متسللاً عبر حدوده من الباغوز السورية مرة اخرى وكان ‏يرافقني الارهابي (ابو جراح) حيث وقعنا في قبضة القوات العراقية بعد ان اعدت لنا ‏كميناً محكماً نجحت عبره بالإيقاع بنا. اصبت مع ابو جراح جراء اطلاق النار وتم ‏اسعافنا لنقع في قبضة العدالة. ‏وحكمت المحكمة على الارهابي بالاعدام شنقاً حتى الموت وفقا لأحكام المادة الرابعة ‏‏/2 من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005.‏انتهى29/أ43


اخبار ذات الصلة

image image image
image
الرئيسية من نحن الخدمات ارشیف الموسوعة

تنزيل التطبيق

image image

تابعونا على

الأشتراك في القائمة البريدية

Copyright © 2018 Mawazin News Developed by Avesta Group

image

اللائحة

الأقسام